«ما أجمل الصمت عند المصيبة! وأجمل منه النطق الذي يستخف بالمصيبة»! (ميخائيل نعيمة). ميخائيل نعيمة لحظ ما يحدث للناس عند وقوع المصائب بهم، حيث يتفاعلون مع مصيبتهم بألم بالغ، وحزن ظاهر، واستسلام بائس، وإحباط يشل الذهن والبدن، فإذا هم أمام المصيبة محطمون نفسيا وبدنيا وعاجزون عن فعل أي شيء بدني أو ذهني. لكنه يرى أن بإمكان الناس أن يكونوا غير ذلك في مواجهة المصائب، فيتعاملوا مع مصائبهم بصورة إيجابية تعينهم على العيش في حال أفضل. من هنا، هو يمجد الصمت عند المصيبة بمعنى عدم التذمر والشكوى، ثم يمضى إلى أبعد من ذلك، فيقدم على الصمت، الاستخفاف بالمصيبة، أي أن لا يترك المصاب مصيبته تحطمه فيستسلم لها منهارا بائسا، فالاستخفاف بالمصيبة عند ميخائيل نعيمة يعني تجاهل ما حدث وطرد اليأس أو الإحباط، والاندفاع إلى الأمام لاستئناف الحياة من جديد. إن استطعنا أن نوافق ميخائيل نعيمة على الفكرة الأولى في عبارته، فإن من الصعب موافقته على الفكرة الثانية فيها، فهي تبدو لي من مبالغات الرومانسيين الذين ينتمي إليهم نعيمة، حيث كان القرن الماضي، خاصة النصف الأول منه حافلا بفورة الاتجاه الرومانسي في الأدب وغيره. حين نطالب الإنسان أن يتخلى عن طبيعته البشرية التي من سماتها الضعف أمام جيشان الانفعالات، ليرتقي إلى مكانة مثالية يتجلى فيها إنكار المشاعر والتعامل مع المواقف بعقل مجرد من كل شعور إنساني، فإننا نكون قد أوغلنا السير بعيدا عن الواقع، فالبشر في فطرتهم مزيج من العقل والشعور ولا يمكن أن يكونوا غير ذلك فيتجردوا كليا من الرغبات والميول والانفعالات بشتى صورها.. ومن الضعف البشري، أن وقوع المصيبة على الإنسان يهد قواه، سواء كانت متمثلة في فقد حبيب، أو ضياع مال، أو إصابة بمرض أو غير ذلك من أشكال المصائب، ومن يملك زمام نفسه فيتماسك أمام مصيبته، ويحمد الله صابرا محتسبا، هو بلا شك يبلغ أعلى درجات القوة البشرية عند قمعه انفعالاته الحزينة، وشطبه من ملامحه مشاعر الأسى والغم والاحتراق الداخلي، ولكن أن نتوقع منه أن يرتقي فوق ذلك أكثر وأكثر فيستخف بمصيبته، فلا يكون لها تأثير على سير حياته، فهذه درجة بالغة العلو، إن أمكن التعامل معها في بعض المصائب المادية، فإنه من المتعذر ذلك في المصائب الأخرى، كفقد الأحبة أو الإصابة بمرض عسير العلاج أو بإعاقة تحرم من العيش الطبيعي. هناك مصائب يمكن تعويضها، ومن ثم يمكن الاستهانة بها ومحوها من الذاكرة والنظر إلى الأمام لاستئناف الحياة من جديد دون اكتراث لها. لكن هناك مصائب لا يمكن أن تعوض ولا يمكن لشيء أن يمحو وقعها المؤلم من حياة الإنسان. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة