د. حمزة بن محمد السالم - الجزيرة السعودية يخشى الكريم على عرضه من أن تناله ألسن السفهاء، ويخشى العالم من تطاول الجهلاء، فيلزم كلاهما الصمت عن ردع سفيه وتعليم جاهل أحمق مسليا نفسه بقولهم «ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم» . صمت الكريم أمام جهل قومه وإخفاء العالم الحق خشية من سقوط هيبته، يمنع الفكر من التحرر والعلوم من التطور والمجتمعات من التقدم، والعامة تتبع المشهور والغالب فينتصرون له دون إدراك أو اقتناع، بينما يركبه الجهلة الاستغلاليون فيتشدقون به، فيستخفون بالحمقى وضعيفي التفكير فيجني بعضهم على بعض تماما، كما يجنون على مجتمعاتهم. أسلوب نافخي الكير الذين يرهبون الناس بنفخ الكير عليهم إذا دخلوا حماهم هو أسلوب قد أثبت نجاحه في تحجير الفكر الديني والاجتماعي والحكومي في بلادنا. لعل المجتمع السعودي هو من أكثر المجتمعات التي سيطرت عليه جماعات نافخي الكير. انتشار هذا النموذج الاعتراضي للآراء المخالفة قد يكون نابعا من ضعف الحجة أو قلة الفهم أو العناد أو من أجل قلب الأمور وتغطية الحق أو من أجل الانتصار لمذهب أو هوية، وغالبا ما يكون نافخ الكير مُسيَّرا لا عقل له ولا فهم. قال تعالى: «ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون» ، فمن الأمثلة الواضحة - على هذا النموذج الاعتراضي للتعويض عن ضعف الحجة والدليل- هو ما مورس لعقود زمنية من إرهاب فكري وشتم واتهام في النيات والعقول والأديان والتضليل الاقتصادي في مسألة ربوية الفلوس حتى رمى علماء معتبرون من هم أعلم منهم بالجهل لمجرد المخالفة. وهذا النموذج الاعتراضي لا يمكن لينجح في جو من الحرية المنطقية، لذا فيغلب أن نراه في المتمسحين بالدين – وليس المتدينين حقا- وغالبهم من الذين وجدوا أنفسهم في عائلة مشيخة لا يخلو الدين من كونه مصدر الشهادة والعمل لغالب أفرادها. فمثل هؤلاء كمثل مجتمع المدينة في عهد النبوة. فهناك الصحابة خير البشر وهناك المنافقون الذين كانوا يشكلون ثلث مجتمع المدينة بدليل انخذال ثلث الجيش في أحد قبل المعركة بقيادة المنافق عبد الله بن أبي. في الأسبوع الماضي كتبت مقالا توعويا أنبه فيه عن الخلط بين أهل العلم حقا وبين من يُنسب إليهم لمجرد أنه أكثر من الصياح والزعيق في أمور اجتماعية مختلف فيها فألبسها لباس الدين، فمثل هذا لا ينسب للعلم الشرعي لكي لا يُتخذ من الدين مطية لكل أحد فيستخف بعقول البسطاء، ومثلت بيوسف الأحمد كعينة ومثال توضيحي، فقلت « الدكتور يوسف الأحمد ليس صاحب كريزما، وليس خطيبا، وليس فقيها، فلا يوجد له بحث فقهي مستقل في مسألة ما رغم تفرغه لهذا، ولم يُسمع له حوار منطقي عقلي، ولم يؤصل قط مسألة شرعية قد كثر صياحه من أجلها، فكيف أصبح وهو يُطلق عليه فضيلة شيخ؟». فانطلق نافخو الكير يتذاممون بينهم أن انفخوا كيركم وعظموا سواده في نوبات متكررة من أجل إيهام كثرتهم وما هم إلا قلة يكتب أحدهم بأسماء مختلفة عشرين تعليقا ومقالا فيها من القذف والسب والشتيمة ما يحكي قدرة عقولهم وإمكانياتهم الفكرية، مورطين بذلك صاحبهم يوسف الأحمد الذي سيُعرض الآن تحت المجهر بعد أن كان مجرد عينة عابرة في مقالي السابق، ومورطين أنفسهم في كشف أساليبهم، فما دروا أن كيرهم وسواده في هذا العصر أصبح يُدور ويصنع فيخرج بإذن الله خلقا آخر جميلا نافعا. فسبحان موزع العقول والأفهام وتبارك الله أحسن الخالقين. من المسكوت عنه في أسلوب نافخي الكير أن تجنب سواد كيرهم وقذارته وسوء رائحته قد أصبح شماعة يتحجج بها البليد في تحميل فشله عليها، وعدم القيام بمسئولياته في عدم اكتراثه بما يُطرح في الساحة من تساؤلات فكرية وشرعية ورقابية واجتماعية، فو الله ما منع الأبطال تناثر دماء الأعداء النجسة على وجوههم حال كونهم يضربون هامات أعدائهم في مواقف دفاعهم عن أوطانهم.