في مقال له عن التاريخ الحقيقي، والتاريخ المتخيل في الكتابة الروائية، وضح الصديق الدكتور عبد الله إبراهيم، من وجهة نظر نقدية ما أراد تسميته بالمتخيل التاريخي، الذي يمكن أن يطلق على معظم الروايات التي تلامس التاريخ، وتكتب الآن بكثافة، بدلا من رواية التاريخ التي تطلق على الكل، من دون تحديد. أتفق مع الدكتور عبد الله في ما ذكره، والرواية بطبعها لا تود أن تلتصق بالواقع كثيرا، وإنما تبني واقعها الخاص الذي يأخذ من الواقع، وأيضا من الخيال، وبالتالي تنتج الصيغة الجمالية والمعرفية، وأيضا تشرك القارئ في حوارها اللاهث. ولو كانت الرواية تاريخا صرفا مستندا على وثائق ومخطوطات حقيقية، لما شدت سوى دارسي التاريخ، الذين قطعا سيعثرون على معرفة أوسع، لو قرأوا الكتب التي هي تاريخ صرف، صيغ بأقلام مؤرخين، وباحثين. أيضا يمكن للروائي في هذا النوع من الكتابة أن يصنع مخطوطاته الخاصة، ووثائقه الخاصة التي تحيل إلى تاريخ لم يحدث إطلاقا إلا داخل النص الذي كتب، ولكن يوهم القارئ بأنه تاريخ حقيقي. في رأيي الشخصي، ككاتب لهذا النوع من الروايات، أن الكاتب إذا أراد كتابة رواية تلامس التاريخ، أو تأخذ من التاريخ، أن يعيش أجواء الفترة التي يكتب عنها كاملة، يعيش في الجو السياسي الذي كان سائدا، يعيش المجتمع وحياة الناس، من لباس وطعام وشراب وبيوت يأوون إليها، ثم يكتب بعد ذلك عن حدثه المتخيل في ذلك الزمان، من دون مرجعية صارمة، ربما تفسد النص بصرامتها، وتقييدها للكتابة الحرة. وقد عرفت كتابا معينين، قرأوا بتعمد، ودرسوا شخصيات تاريخية معروفة، وكتبوا عنها حرفيا، مما تدخلنا في تعريف آخر، بما يسمى بالرواية البحثية، أي الرواية التي تبحث عن حلقات مفقودة في نص تاريخي، وتحاول ملأها بالخيال، أو تعيد كتابة تلك الشخصية من نواح أخرى، لم يصفها التاريخ كثيرا، كالناحية الإنسانية والعاطفية لدى زعيم سياسي مثلا. ولعل رواية المخطوط القرمزي، للإسباني الكبير، أنطونيو عالا، التي تصدت لشخصية (أبو عبد الله الصغير)، آخر ملوك الأندلس، من ذلك النوع من الروايات التي اعتمدت البحث أكثر من اعتمادها على المتخيل، وكان ثمة إحساس يلازم القارئ طوال الرواية، أنه يقرأ تاريخا صرفا. إذن فلنتفق مع عبد الله إبراهيم، في التفريق بين جنسي الكتابة، الجنس التاريخي الصرف، الذي يتخيل التاريخ ولنتخيل التاريخ، ونبعد القارئ عن الإحساس بقراءة العمل الإبداعي، قراءة تاريخية.