ما أعلمه هو أن صديقي العزيز جدا جدا صالح الطريقي أبعد الناس عن العنصرية والتعصب، هكذا عرفته ..وهكذا قرأته، ولكن قارئا يسمي نفسه ( الأعرابي المحتج ) يقول إن صالح تسبب في إصابته بصعقة كهربائية في المخيخ الأيسر بعد قيام الزميل أكثر من مره بإقحام ثقافة القبيلة وعادات الأعراب ( عنوة ) والاستشهاد بها كلما طرأت ظاهرة سلبية في المجتمع. آخر هذه المقالات التي صعقت (الأعرابي المحتج ) في مخيخه الأيسر نشرت الأربعاء الماضي حول حكاية الأستاذ الجامعي الذي اكتشف أنه يتقاضى راتبين أحدهما من أمانة جده والآخر من الجامعة، و حدثت الصعقة الفكرية ( بالتحديد ) في السطور التالية للطريقي: ( من الحكم التي نرددها ..المال السايب يعلم السرقة ..هذه الحكمة في ظاهرها تدفع صاحب المال للحرص على ماله، ولكن ماذا عن باطنها، أو ماالذي تسكت عنه ولا تحدد هو قانوني أو غير قانوني ؟، إنها باختصار تبيح سرقة المال إن كان سائبا، وأن من حق الأعرابي أن يأخذ المال الذي لا يقف عنده جنود مدججون بالسلاح، وأن المسؤول هنا ليس الأعرابي الذي سرق المال، بل الذي لم يستأجر جنودا إما لعدم الحرص أو نسيانا ) . و هنا يستعرض ( الأعرابي المحتج ) أسبابا كثيرة لغضبه من هذه الفقرة بالذات وهي أسباب مدججة بالأمثلة و متشعبة وطريفه نلخصها بالنقاط التالية : ( أولا: الحكمة التي تقول المال السايب يعلم السرقة ليست من تراث الأعراب. ثانيا: ثقافة الصحراء لا تبيح للأعرابي أخذ مال الأعزل و سلب الضعيف أما الغزو في تلك الأزمنة فقد كان من طباع البشر جميعا أعرابا كانوا أم أسكندنافيين.، ثالثا: المال العام لا يعتبر مالا سائبا وقيم القبيلة العربية لا تتسامح أبدا مع الأعرابي الذي ينهب مال قومه و يأكل حقوق أهله وجيرانه، رابعا: خيانة الأمانة أسوأ أنواع السرقة وهو سلوك بشري سيئ ترفضه كل الثقافات وفي طليعتها بالطبع الثقافة العربية فاختلاس الأمانة لم يكن في يوم من الأيام من شيم العرب العاربة و المستعربة، خامسا: إن وضع ثقافة الصحراء في إطار يحصرها في عوالم السلب والنهب لا ينسجم مع آلاف الأخبار و القصص والأشعار والقيم وأنماط العيش التي خلفتها تلك الثقافة .. صحيح أن حياة الصحراء كانت قاسية بسبب قسوة البيئة ولكنها لم تكن حياة خالية من المبادئ ) . و يتضح في نهاية الرسالة أن لدى صاحبنا ( الأعرابي المحتج ) وجهة نظر مناقضة تماما لوجهة نظر الزميل الطريقي، فهو يرى أن ثقافة الصحراء هي التي سقطت ضحية للقيم المادية التي فرضتها المدينة الحديثة وليس العكس، كما أكد أنه كلما كبرت المدينة تضاءل حجم الثقة بين الناس و ( كثرت الدفاتر )، و في الدفاتر صفحات كثيرة وسطور طويلة و أرقام عجيبة لا يطيق الأعراب النظر إليها، بل ( يهربون منها لأنها نهبتهم مرارا وتكرارا ) . ثم يختتم هذا الأعرابي ( غزوته الهوتميلية ) متخلصا من اللغة العربية ( التي أثقل كاهله حملها ونقلها ) ليقول بالعامية موجها الحديث لي أو لصالح : ( معليش .. يمكن تلبيس الأعراب أية تهمه: سطو، سلب، نهب، قتل ...أي شيء ..بس التزوير والرشوة والاختلاسات ..مش تخصصنا ! ).