لم أودعك يا بني وأنت تغذ السير نحو مثواك الأخير، فقد ظللت بيننا تحمل في عينيك دوما ألق الحياة عنوانا. سرها وجوهرها اللذان أورقا بين أضلعك، وازدانت الفروع وهي تنبض بالأزهار، تنبئ عن ثمر وفير، رغد ونضير. نهار عمرك لم يزل ضحى، وفي مقتبل العمر يدرك المرء توازنا في المشاعر يضبط إيقاعها بصفاء ذهن مع جلاء نمط الفكر والعمل، وأخلاقيات الرجولة. هكذا عهدتك، رأيت النجابة في حركاتك وسكناتك وإيماءاتك، ليست بعيدة عنك وقد حملها جدك من قبل وكان بها حفياً.. انطفأ شهاباً وهو في الأربعين.. وبالأمس احتجب نيزك حياتك المتوهج وأنت في الثامنة والعشرين «رحمكما الله»، سلكت طريق العطاء بغير من ولا أذى، فنصبت خيمتك على دروب المجد مرتحلا مع سحائبه كلما أضاء برقه في سماء كنت سباقا إلى ورود حياضه، لست مستسقيا ولكن مساهما في تمهيد الطريق لمن أراد أن يسقي قبل أن يصدر الرعاء.. ففيك شمائل القوي الأمين. عشت السماحة والتواصل والإباء والرجولة تفاصيل حياة، ولبست وشاحا أو لبوسا أو قناعا لارتدائه أوقات دون أخرى، وليس قلمي بالذي يجري بما أقول، لكنها ألسنة الخلق، أقلام الحق.. رهاني عليك أن تكون سباقا للخير أينما كان.. ولم يكن رهانا خاسرا قط، فقد بذلت جهدك الفتي مع صاحبي السمو الملكي: أميرنا الجليل سلمان بن عبد العزيز، وسلطان بن سلمان، من خلال عضويتك بمجلس إدارة «مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة»، والعمل عبر بوابة جمعية الأطفال المعاقين، والمشاركة في فعاليات الصم والبكم، وغيرها من سوانح البذل.. وكان لوقوفك بجانبي في «الاثنينية» الأثر المحمود الذي قد لا يدركه الكثيرون، فقد حمل كاهلك الغض، وعودك الأخضر، ما تنوء به العصبة أولي القوة من الرجال.. وفي الإشارة ما يغني عن العبارة. لقد آسفني فقدك.. وزلزل في كياني ركنا كنت أظنه لا يتزعزع، بيد أن مصابي الجلل رحيلك المفاجئ دون أن تكمل ما بدأته بقوة لخدمة دينك، ومليكك، ووطنك.. كنت تمضي غير هياب ولا متردد في سبيل تحقيق المثل العليا والقيم السامية التي آمنت بها، وكرست لها حياتك القصيرة ، تحمل هموم عملك الذي تعده دوما وسيلة لخدمة الوطن، وليس هدفا بحد ذاته.. رنوت للعلياء فاختارك بارئ الأرض والسماء. أسأله سبحانه وتعالى أن تزفك ملائكة الرحمة إلى جنان الخلد مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. وأن يلهمني ووالدتك واخوتك وجميع محبيك الصبر وحسن العزاء. {إنا لله وإنا إليه راجعون}