لا يمكن أن تكتمل أركان العدالة ما لم يكفل النظام القضائي للمدعى عليه حق توكيل محام عنه، وهو الحق الذي حرصت عليه الأنظمة القضائية الحديثة في مختلف دول العالم، وحرص عليه النظام القضائي لدينا حين نص على حقوق المتهم أو المدعى عليه وعلى رأسها حقه في توكيل محام يتولى الدفاع عنه، والدفاع عن المتهم أو المدعى عليه لا يستهدف تبرئته بقدر ما يستهدف الحرص على أن تكون إجراءات التقاضي كاملة وشرعية لا ينتقص منها جهل المتهم بحقوقه أو عجزه عن توضيح وجهة نظره وملابسات القضية التي يحاكم بسببها أو هو متورط فيها. وعلى الرغم من نص النظام على حق المتهم في توكيل محام عنه إلا أن ذلك الجانب من النظام لا يفعل ولا يؤخذ به ويتم الاكتفاء بأخذ أقوال المتهم ودفاعه عن نفسه في مواجهة خصومه أو مواجهة التحقيق والادعاء العام، ثم يحكم القضاء بعد ذلك بما يراه عدلا في القضية المعروضة أمامه، وإذا لم يكن هناك مجال للشك في نزاهة القضاء وعدالة حكمه فإن غياب ركن من أركان العملية القضائية والمتمثل في حق توكيل محام يفتح الباب واسعا لضرورة إعادة النظر في إجراءات عملية التقاضي والتي كان من الممكن أن تفضي إلى حكم مختلف فيما لو كان المتهم قد وكل محاميا يعرف ما للمتهم من حقوق ويمتلك من الحجج ما يعبر بها عن وجهة نظر المتهم على النحو الذي لا يمكن للمتهم أن يعبر به نظرا لضعف قدرته اللغوية أو عجزه عن تركيب حججه ودفوعاته. من هنا يكون من المتوجب على أي قاض أن يوضح لأي متهم أن من حقه أن يوكل عنه محاميا ولا ينتقص من هذا الحق نوع الجريمة التي هي موضع النظر، فالحق مكفول للمتهم مهما كان جرمه أو سنه أو جنسه. وإذا كانت القدرة المالية تحول بين بعض المتهمين وتوكيل محام عنهم، نظرا لارتفاع أجور المحامين فإن من المتوجب على المحكمة التي تنظر في قضايا هؤلاء الذين يعجزون عن توكيل محام عنهم أن تعرض عليهم توكيل من يتولى الدفاع عنهم، وتتكفل المحكمة بدفع تكاليف توكيله، وبمثل ذلك يمكن للعملية القضائية أن تكون مكتملة الأركان وللحكم القضائي أن يكون أقرب للعدل والنزاهة.