غاب موظف عن عمله بحجة أن والده توفي. وبعد شهور اعتقد أن رئيسه في العمل نسي الموضوع فغاب مرة ثانية وأيضا بحجة وفاة والده. ونفع العذر فمضت أشهر، وغاب الموظف مرة ثالثة بالحجة نفسها واعتقد أنه استهلك موضوع وفاة والده، فتغيب مرة بحجة وفاة والدته، وانطلى العذر على رئيسه في العمل. ومضت أشهر، فعاد الموظف إلى الغياب زاعما أن والدته توفيت. واستدعاه مديره في العمل وقال له: صدقنا أن يكون عندك ثلاثة آباء أو أكثر فهذا معقول. ولكن من المستحيل أن تكون عندك أكثر من أم واحدة ! والأعذار اليوم صارت كالتبريرات سهلة عند الناس مثل الماء يستخدمونها في كل شيء ويحضرونها في أى موضوع ويقحمونها في أية قضية. وأعرف محاميا قال لي مرة وهو يتفاخر بذكائه الحاد بأنه يستطيع تبرئة قاتل حتى ولو شاهد بنفسه القاتل يذبح الضحية ويسيح دماءه. وسألت المحامي مستغربا: ياأخي ما هذه العبقرية الفذة. فأجابني مبتسما: بل قل..أىة تبريرات جهنمية سأدفع بها. وهناك بشر كثيرون اليوم يلقون باللوم على الحياة وكل الكائنات فيها بأنهم السبب الوحيد في فشلهم وتعاستهم. فهناك ممثلون فاشلون ومغنون تافهون لا يقدمون سوى أعمال فنية رخيصة لا يريدون منها سوى الحصول على المال والشهرة، ومع ذلك فإنهم إذا فشلوا فعندهم الجواب جاهز وهو أن الجمهور لم يتذوق أعمالهم ولم يفهم «العبقرية» و «العظمة» التي قدموها ! و لا يبرر الناس أخطاءهم فقط، بل ويتفننون في تبريرها ويختلقون الروايات والقصص وأحيانا حتى الأساطير للتبرير عن بلاو ارتكبوها ومصائب كانوا أبطالها. ووصلت القدرة عند الناس أحيانا إلى درجة أنهم يبررون عجزهم وعدم تحقيق رغباتهم حتى ولو كانت بسيطة إلى تبريرات عبقرية لا أول لها ولا آخر، فإذا لم يسافر في الصيف قال: بأن السفر أصبح متعبا والطائرات زحمة والمطارات فوضى، لكنه لا يقول إنه بخيل مثلا ولا يريد أن يخسر نقوده في السياحة، حتى الكرة هي الأخرى لم تسلم. فالفريق الخاسر انهزم في المباراة ليس بسبب اللعب السيئ الذي قدمه اللاعبون، بل لأن الحظ وقف ضدهم ولأن الحكم تحيز مع الفريق الآخر. التبريرات لاتنتهى كما قلنا غير أن العجيب إننا لا نسمع اليوم إلانادرا ربما عن بشر يعترفون بأخطائهم أو عن عمل غير صحيح ارتكبوه بقصد أو بدون. فقد غاب الصدق والأهم الاعتراف بأننا مخطئون. [email protected]