كبرت كرة النار في سكن طالبات جامعة أم القرى وتدحرجت لتطال بلهبها كل من له علاقة بسكن اليافعات المغتربات الحالمات بالسلامة. إنها ثنائية المرأة والرجل هنا. تقبع 656 طالبة في عمارة تتكون من أربعة طوابق في حي الزاهر، يتكدسن ليلا في ممرات البناية الضيقة، يبحثن عن مأوى للنوم، يحلمن بالخلاص وانقضاء شهور السكن الطويلة. ثقيلة هي الساعات في عمارة حي الزاهر. الدارسات نادين بصوتهن المتحشرج: النوافذ مغلقة.. نريد أن نرى الشمس.. نريد أن نتنفس الهواء. ترد الجامعة: عيونكن واسعة والأفضل بقاؤكن دون نوافذ مشرعة على الحياة.. مصيركن الأقفال.. الأصفاد.. موانع التلصص. يصرخن من جديد: ماذا لو حدث حريق، ماذا سنفعل، من أين تأتي النجاة؟. ترد الجامعة: الدفاع المدني وافق على غلق النوافذ وسمح بأقفال تفتح وقت اشتعال النار. الدفاع المدني يوضح: سمحنا بالإغلاق بحواجز مرتبطة بأقفال كي يسهل علينا فتحها حين إخلاء السكن. ما بين الطالبات والمشرفين على إسكانهن والدفاع المدني تكبر كرة اللهب، و«عكاظ» تمسك بالخيوط. إذ جددت أكثر من 70 طالبة من جامعة أم القرى مطالبتهن بإنهاء معاناتهن، وذكرت الطالبات في خطاب (تسلمت «عكاظ» نسخة منه) أن الهاجس الأكبر في معاناتهن يتمثل في خلو السكن من وسائل السلامة التي كان الأحرى بإدارة السكن أن تلتفت إليها وتوفرها لكيلا يقع ما لا تحمد عقباه -على حد قولهن. وجاء في خطاب الطالبات «أن المبنى يفتقد إلى أبسط اشتراطات السلامة المنبثقة من إدارة الدفاع المدني، ومنها عدم وجود سلالم طوارئ في مبنى من أصل أربعة مبان هي مجموعة سكن الطالبات، بالإضافة إلى عدم تركيب خراطيم مياه داخل الغرف تكفل إخماد الحريق فيما لو تم اندلاعه». وقالت الطالبات إن وسائل التهوية في السكن مفقودة، حيث انتهجت إدارة السكن قرارا بإغلاق جميع نوافذ الغرف بعوازل حديدية، الأمر الذي لا يسمح بدخول أشعة الشمس أو الهواء، الأمر الذي لا يسمح لأفراد الدفاع المدني بإنقاذنا من خلالها فيما لو حدث مكروه، وكذلك تجمع كميات كبيرة من أدخنة النيران داخل المبنى لعدم وجود فتحات تهوية. كشفت مصادر (تحتفظ الصحيفة بأسمائها) أن لجنة من الدفاع المدني وجامعة أم القرى أقرت إغلاق نوافذ إسكان طالبات الجامعة بسياج حديدي منعا للمعاكسات، واشترطت فرق السلامة ضرورة وضع أقفال حديدية على سياج كل نافذة لتتولى فرق الإطفاء فتحها حال حدوث حريق. وهنا قلل مدير إدارة الدفاع المدني في العاصمة المقدسة العميد جميل أربعين من خطورة الأمر وأكد ل«عكاظ» أن وضع السياج على النوافذ تم من خلال طلب تقدمت به إدارة الإسكان في الجامعة، حين طالبت بضرورة وضع سياج حديدي على نوافذ إسكان الطالبات لدواع أمنية «وافقنا على ذلك شريطة أن تغلق النوافذ بأقفال من الخارج لتتولى فرق الإطفاء فتحها في حال حدوث حريق في أي من تلك المباني». وأبان العميد أربعين أن إدارته ليست متأكدة من أن جميع المباني خاضعة لاشتراطات السلامة، كون إدارة الجامعة هى من تتقدم لإدارة الدفاع المدني بطلب إصدار تراخيص لتلك المباني. وقال مدير عام الدفاع المدني في العاصمة المقدسة «إن أمام الطالبات خيار الهروب عن طريق سلالم الطوارئ، حال حدوث حريق في المباني المرخص لها بالإسكان من طرف إدارته». وفي الصدد ذاته، أبانت المصادر أن الجامعة تحايلت على اشتراطات السلامة وأسكنت الطالبات في عدد من المباني غير المرخصة للإسكان، وهو ما أكده عميد شؤون الطلاب في الجامعة الدكتور عبد العزيز سروجي قائلا «إن مبنى من بين أربعة مبان لا يخضع للإشراف الوقائي». القضية صعدتها الطالبات لإدارة الجامعة خوفا من تعرض أرواحهن للخطر، بعد أن لجأت إدارة الإسكان لممارسة أساليب غير إنسانية بحقهن -على حد تعبيرهن-، تحت غطاء الحشمة ومنعا للمعاكسات ومراعاة الدواعي الأمنية، حيث أكدن ل«عكاظ» أنه لولا ظروفهن الأسرية القاهرة لما لجأن للسكن في مبان لا تتوافر فيها أبسط مقومات وسائل السلامة، وأبدين عدم رضاهن بأن تتهمهن إدارة الجامعة بالمعاكسات من أجل تبرير أخطاء إدارة الإسكان وتمرير قرارات حجب النوافذ بأصفاد الحديد، وطالبن إدارة الجامعة بالتحرك الفوري لإنهاء معاناتهن وحملن الجامعة مسؤولية تعرضهن لأي مكروه قد يحدث. وهنا يعود مدير إدارة الدفاع المدني في العاصمة المقدسة العميد جميل أربعين ليؤكد أن إدارته غير مسؤولة عن التجاوزات التي قد تحدث بعد استخراج تصاريح الإسكان من قبل إدارة الجامعة «توجد متابعة من قبل فرق السلامة، إلا أن بعض الإحداثيات في تصاريح الفئة (أ) لا يمكن متابعتها من الداخل، لأن التصريح يجدد بشكل سنوي بينما الإحداثيات الخارجية يمكن ملاحظتها من خلال الجولات الميدانية»، إلا أن العميد أربعين وعد بمراجعة الأمر مع مندوب جامعة أم القرى لمعالجة وضع النوافذ «التي لا يمكن الموافقة عليها بالصورة الحالية مهما كانت الظروف». وأشار مدير عام الدفاع المدني في العاصمة المقدسة إلى أنه في حال أصرت الجامعة على بقاء النوافذ على ما هي عليه واستلزم الأمر ذلك، فإنه يجب أن تكون نوافذ البناية السكنية موضوعة تحت إشراف جهة فنية متخصصة وبمواصفات يسمح معها فتحها أو نزعها أثناء حالات الطوارئ. وأكد العميد أربعين «سنطالب بتقرير لوضع السكن الحالي وطرق معالجته ومتابعة المساكن الأربعة لطالبات جامعة أم القرى، إذ إن لائحة العقوبات واضحة وفق تعليمات نظام الدفاع المدني من خلال لجنة النظر في المخالفات التي تصدر عقوباتها المالية على المخالفين، ولن نتردد في إصدار أي عقوبات بحق إدارة الجامعة في حال تبين وجود مخالفات». وفي خضم ذلك اعترفت جامعة أم القرى وعلى لسان عميد شؤون الطلاب الدكتور عبد العزيز سروجي أن واحدا من بين أربعة مبان تستخدمها الجامعة لإسكان الطالبات غير مرخص له بالإسكان، بينما باقي المباني مصرحة من قبل الدفاع المدني. وأوضح الدكتور سروجي أن المبنى الذي لم يستخرج له تصريح يجرى تصحيح وضعه من قبل المالك لإكمال الإجراءات، وإدارة السكن في الجامعة هي من تتابع هذا الأمر. ورفض مدير شؤون الطلاب في جامعة أم القرى أن تتحمل إدارة الجامعة مسؤولية تعريض الطالبات للخطر بسبب وضع سياج حديدي على نوافذ مباني الإسكان، مؤكدا أن ذلك لم يتم إلا بعد أن أجازت ذلك إدارة الدفاع المدني. وحول مسببات ذلك من قبل الجامعة قال الدكتور سروجي «لعلمنا بما حدث في السابق من معاكسات وإشكاليات وشكاوى متكررة من أولياء أمور الطالبات، وأمور أخرى إدارة الجامعة في غنى عنها، ولذا سارعت الجامعة إلى إغلاق النوافذ حفاظا على الطالبات كونهن أمانة في أعناقنا». وحول إمكانية توفير سكن بديل للطالبات، أفاد مدير شؤون الطلاب في جامعة أم القرى «لاستئجار مبنى نحتاج موافقة من وزارة التعليم العالي، ويجب أن يكون السعر مناسبا». وعن تكدس الطالبات، قال الدكتور السروجي «إن التكدس في بعض مباني الإسكان سببه الطالبات اللاتي يردن البقاء مع قريباتهن ويرفضن الخروج من الغرف، وبإمكاننا تطبيق النظام عليهن إلا أنني أراعي الجوانب الإنسانية، والغرف التي فيها تكدس وقفت عليها ووجهت بإخراج طالبة أو طالبتين على أقل تقدير، والتكدس الذي واجهته لا يعني أن الطالبات لا يمكنهن المشي في السكن». وعن الحلول التي سيتم اتخاذها لإيجاد سكن لطالبات الطب أبان عميد شؤون الطلاب في جامعة أم القرى «وضع مكة خلال هذه الفترة صعب والإيجارات المرتفعة توضح ذلك، حيث توصلنا إلى استئجار مبنى جديد سيتم استئجاره بعد أخذ موافقة وزارة التعليم العالي».