تصلك رسائل بريد إلكترونية كثيرة، ليس في أصحابها من لا يستحلفك بالله أن لا يتوقف هذا الإيميل عندك، وليس فيها ما لا يبشرك بالأجر والثواب، وقدرته على قيادتك من يدك بضغطة زر إلى خير الدنيا والآخرة، رسائل ليست عابثة، لكنها غير مسؤولة وهي بريئة، لكنها جاهلة، يسهل عليك تفهم طلب أصحابها للأجر ومحبتهم للخير، ويصعب عليك فهم الكيفية التي يحسبونها قادرة على جلب الفردوس الأعلى، أو حتى أدنى مراتب نعيم الدنيا، تلتفت إلى هذه الرسائل المتوسلة بأن تحشو بها كل بريد إلكتروني تعرفه، أو تقدر على الوصول إليه، بل إن بعضها يتجاوز مرحلة التوسل، والرجاء بضرورة إعادة النشر، ليرفع سوط التهديد بالويل والوعيد بالثبور، إن أنت تغافلت أو تساهلت أو قصرت في عدم الإرسال، متهما إياك بحبس المنفعة، والعلم، والخير، الأمر الذي يمكنه إثقال كاهل ضميرك قليلا أو كثيرا، وأنت الذي لا يشكو ضميرك نقصا من الحرقات، ولا تعوزه حسرات، فتتردد، وتحتار: ماذا تفعل؟ تلتفت إلى هذه الرسائل بعين راغبة في إيجاد شيء حقيقي نافع وفاعل، يمكن لك تقديمه للآخرين، فلا تمسك غير سراب، ولا تفوح غير رائحة جهل عفنة، أدعية لا تعرف مصدرها، وأحاديث موضوعة أو ضعيفة، وبعض منها صحيح في أساسه، لكن المرسل كتبه على طريقته دون تحفظ، أو أحاديث صحيحة مصحوبة بمفاهيم ضحلة وقاصرة، يلوي بها المرسل ذراع المنطق والعقل، ويطلب منك الشرب من كأسه، التي إن لم تكن مكسورة، فهي مسمومة، أو أنها غير نظيفة على الأقل، ومعلومات مغلوطة، وحكايات هي الوهم، حتى قبل أن يتهذب، وعناوين لأسماء من تؤكد الرسالة، ويقسم مرسلها أنها لصفوة من الخلق ألهمهم الله، عز وجل، فاكتشفوا علاجا للسرطان، وطبا للإيدز، وأدوية لا مثيل لنفعها، تشفي من كل مرض عضال، وهكذا حتى يصل بك الأمر إلى أن تجد نفسك أمام واجب إعادة إرسال، رسالة تحمل حلما، حلم به شخص من فلسطين، أو امرأة من الأردن، أو طفل من الأحساء، وفيه وصية من رسول الله، عليه الصلاة السلام، يريد نقلها إلى الناس كافة، ويا ويلك ويا سواد ليلك إن أنت لم تسهم في إيصالها، فالنار مثواك لامحالة، ورسائل أخرى تحمل أخبار اكتشافات، تؤكد إعجاز القرآن الكريم، وكأن إعجازه بحاجة إلى دليل يؤكده، والمصيبة أن معظم هذه الاكتشافات المطروحة لا أساس لها أصلا، ولا صحة لوجودها، تختلف مواضيع الرسائل هذه وتتعدد، لكنها في مجملها محبة للخير، لما تظنه خيرا، محبة سلبية، جاهلة، وأحيانا معتوهة، فائدتها الوحيدة، بالنسبة لرجل مثلي، أنها عرفتني أكثر وأكثر على الأخت الفاضلة «delete» هانم في جهاز الكمبيوتر، فأنا ممن لا يشكون في أن البغض العاقل أقل ضررا من المحبة السفيهة!. صندوق بريد: 375225 الرياض الرمز البريدي: 11335 [email protected]