ذات مساء منذ قرابة خمس سنوات احتدم خلاف مع زوجي ومن شدة غضبي غشيني الاستياء وتلبسني فيض من الغلظة والتمرد، فلم أتمالك شعوري وطلبت الطلاق .. صمت زوجي ورمقني بنظرة ملؤها العتاب والشعور بالخذلان، تصادف أن جميع أبناؤنا حاضرون بما فيهم ابنتنا الرضيعة ذات السبعة شهور ولا أدري ساعتذاك هل تملكني الغرور والتشاوف أم لعلها الرعونة إذ كان الأجدر أن أتفهم صمته وأسدل الستار وينتهي الأمر .. لكن ادلهمت مني تلك الكلمات التي ما زلت نادمة على التفوه بها فقلت وليتني لم أقل «إذا أنت رجال طلق»، حينها اكفهر وجهه وتجهم غيضاً وغدت قسماته ممتقعة. استدركت فداحة تهوري ساعتها لم يكن من بد غير ترقب خروج كلمة الطلاق .. وتوقعتها بل كنت استشعرها تغالب شفتيه .. ألا أنه وبسرعة شديدة ورباطة جأش لم تخطؤها عيناي طفق متأملا يشيح بالنظر لأبنائه بعيون تشع حيرة وألماً، واستوقف ملياً يحدق بابنتنا الرضيعة، كانت تجليات تعابيرهم البريئة تفيض بالتوجس والأسى، والتي لم تخل من الدموع الذارفة على الخدود والمترقرقة في المقل دموع تتوسل والدهم بحرقة وألم بعدم إطلاق تلك الكلمة التي بالتأكيد كانت ستدوي مسامعهم وتصعق مشاعرهم الغضة، كان موقفاً عصيباً ومجلجلا بالنسبة لنا جميعا، وفي الغضون وجدنا أنفسنا أمام مفترق الطريق وقاب قوسين أو أدنى من انهيار الأسرة وتفككها. كانت تلك الكلمة كفيلة بتغيير مجريات حياتنا وانحراف مسارها إلى المجهول. كنا نترقب خيفة قراره وإيما قرار فيا له من صراع مرير وموقف عصيب عشت في ثوان مخاض صراعه المثير للشفقة وهيئة نفسي لسماع تلك الكلمة البغيضة. ولم يدر بخلدي قط أن قراره سوف يكون الإطباق على مشاعره المختلطة من (الألم والغضب والخيبة) والترجل مسرعاً خارج المنزل تنفست الصعداء وإذا بأبنائي سبقوني بتنفسها وكأني بهم خرجوا من نفق مظلم موحش إلى حديقة وارفة غناء احتضنوني بلهفة واشتياق كما لو كنت عائدة للتو بعد غياب شهور، عاتبوني بلطف وتشرهوا بلغة وإيماءات طفولية طاغية بأنني كدت أكون سبباً في تفكك الأسرة ما زالت أصداء أصواتهم المتهدجة والمتلعثمة من شدة الخوف في توها تصدح بأعماق قلبي وتعتصر وجداني. وفي غمرة غبطتنا جراء الانعتاق من سوء المآل طلبوا مني الاتصال على والدهم وفعلت وتأسفت له وتعهدت بعدم تكرار ذلك مطلقاً، وجاء للمنزل وقبلت رأسه وكذا الأبناء عانقوه بحميمية متعطشة، وقلت له بكل صدق ويقين بعد أن احتضن ابنته الرضيعة بشوق مفرط .. أنت رجل بكل ما تعنيه الكلمة وسامحني «لم أقصد أهانتك» .. لم أبالغ بإحساسي فمذ ذاك كبر بعيني لكونه لم يستفز وثمن الحياة الزوجية. هذه رسالة لكل الزوجات حذار من استفزاز الزوج ومساومته بالطلاق. فكثير من الأزواج يفعلونها وكم فعلوا .. وليعذرني الرجال فالكثير منهم لا يملكون رباطة الجأش، وكظم الغيض في مثل تلك المواقف. وبعضهم يستفز لأتفه الأسباب وحفنة لا بأس بها لا يبالون بالعشرة الزوجية ولا حتى بأبنائهم لمجرد الشعور بالمهانة أو التحدي .. لكأن التي استفزته أو أخطأت عليه ليست زوجته وأم أبنائه. التعليق: ليست ثمة فرد يتقبل الإهانة والتجريح بأريحية ورحابة صدر فكم بالحري إذا طالت رجولته وخدشت كرامته لكن بالمقابل يجب ألا تكون الاستجابة أو رجع الصدى هو هدم كيان الأسرة، فالاحتواء والحكمة يجب أن يتسيدا في هكذا مواقف، فليس من المنطق ولا من رجاحة التفكير أن يتهور الزوج ويطلق العنان لتداعيات غضبه وينساق وراء كبريائه وتعنته فتأخذه العزة بالإثم ويهدم بيته بيده. ولنتحدث بموضوعية أكثر أيهما أكثر ضرراً وأفدح خسارة أن يمرر الرجل استفزازاً أو أهانة سمها ما شئت من زوجته في ساعة غضب (غير مقصودة) أم يطلقها وما يستتبع ذلك من تشتيت الأبناء وربما ضياع مستقبلهم. بالطبع الاختيار الأول هو الأرجح بوصفه أكثر تعقلاً والأسمى غاية .. واستطراداً من قال إن ذاك الاستفزاز أو الترهات أن صح الوصف تمس كرامة الزوج وتنقص من رجولته فخير شاهد الموقف أعلاه بأن زوجها كبر بعينها وليس العكس وباتت تحترمه وتبجله أكثر من ذي قبل وها هم يعيشون باستقرار ملؤه الود والسعادة منذ اختلفا قبل خمس سنوات. وأشاطرها الشعور لأنه استطاع وبشجاعة نادرة بل لنقل (مفترضة) أن يلجم غضبه ويدحر نوازع شره. أتمنى ألا يفهم من السياق أن تتمادى الزوجة في إهانة زوجها وتمعن في استفزازه من حين لآخر. وتتوقع بأن لا يرف له جفن! غاية ما أقصده في حال حصل ذلك عن غير قصد أكرر (دون قصد) نتمنى على الأزواج أن يتحلوا بالحلم وضبط النفس فالتسرع يكلف الكثير وكفانا طلاقاً لأتفه الأسباب. بقي أن نقول لو تخيلنا أن ذلك الزوج أو غيره لم يصفح لزوجته ويمرر استفزازها وانجر وراء نعرات (الفحولة) والرجولة بمفهومهما المغلوط، ماذا ستكون النتيجة؟ ترى هل يكون بذلك السلوك قد استرد رجولته المزعومة وانتصر لفحولته. وإن صح الاعتقاد جدلا ما هو الثمن؟. ختاماً .. أشكر القارئة على رسالتها وكل من على شاكلتها الذين يأبون إلا أن تكون قصصهم ومواقفهم عبرة وعظة للآخرين. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 229 مسافة ثم الرسالة