مما أذكره خلال سنوات المراهقة أن بعض المجلات كانت تزخر بأبواب مخصصة للمراسلة بين القراء، فكان قراء المجلة ومعظمهم من المراهقين وصغار الشباب يضعون صورهم وعناوينهم وهواياتهم وبعض المعلومات الخاصة عنهم، من أجل البحث عن صديق يماثلهم يتراسلون وإياه عبر خطابات ورقية ترسل بالبريد. في تلك الأيام كانت الوسيلة الأبرز للتواصل هي الخطابات الورقية ترسل عبر البريد التقليدي، وكان لموزع البريد مكانة في القلوب، وأي مكانة! أما هذه الأيام فقد دالت دولة المراسلة البريدية وتراجعت منهزمة بعد أن اكتسحها الماسنجر والسكايب والإيميل والفيس بوك، والجوالات والآي فون والبلاك بيري وغيرها! كانت الرسائل التقليدية خطية وبطيئة وغير مضمون وصولها، عرضة للضياع والتأخير، فصارت الآن إلكترونية سريعة ومضمونة الوصول. تغيرت المراسلة في أدواتها ووسائطها، لكنها لم تتغير في مذاقها فظلت عشقا خالدا في صدور المتباعدين، فالرسائل متى كانت من قريب ناءٍ، أو حبيب هاجر، أو صديق منقطع، بأي وسيلة جاءت، هي تحل بردا وهناء على القلوب الكسيرة، وتضفي عليها سكينة وطمأنينة، وتقر بها العين حتى كأنها ترى بين سطورها مرسلها الغالي. كلما طال الغياب وتصاعد وهج الشوق، تنامت اللهفة إلى الرسائل، وكلما اشتدت وطأة القلق عند تأخرها وخيم الحزن لانقطاعها، عظمت الفرحة بقدومها وتدفقت أنهار السعادة بإطلالتها. بدر شاكر السياب يصف فرحه برسالة الحبيب التي ما كادت تلوح حتى انتفض لها قلبه يكاد يفر من موضعه لتقبيلها لولا الضلوع التي تقيده: رسالة منك كاد القلب يلثمها لولا الضلوع التي تثنيه أن يثبا وإبراهيم العواجي تحلق به الرسائل في عالم من الأحلام الرومانسية ينسجها له الخيال فيضفي عليها جمالا فوق جمال: ما أحلى أن أطبق عيني وبداخلها منك رسالة نزار قباني، تدفق الرسائل يعني عنده، تدفق الحب المستمر: كلما أرسلت لي رسالة زارني الحب! وما أحلى الزيارة! تقدمت التقنية وتقدمت معها أساليب ووسائل المراسلة، لكن وقع الرسائل على المشاعر، بقي ثابتا لم يتغير، فاللهفة هي اللهفة، والشوق هو الشوق، والحنين هو الحنين. ولكن، برغم ذلك، فإن الرسائل لا تكون لها تلك المكانة العالية في النفس إلا حين تكون صادقة نابعة من القلب، أما متى جاءت محملة بالزيف، ألفاظها تنافي فعل صاحبها، فإنها تصير جسدا فاقدا للروح، وما كان فاقدا الحياة كيف له أن يبثها في غيره! فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة