الذين يرصدون تاريخ الصحافة السعودية.. وزملاء الحرف والكلمة.. يخيم الحزن عليهم لفقد الزميل الأستاذ الكبير حامد حسن مطاوع «رحمه الله»، رئيس تحرير صحيفة «الندوة» الأسبق، والكاتب الذي شعت سطوره من خلال عدة مطبوعات وكتب كان فارسها، وابن بجدتها، وأحد صناع نهضتنا الثقافية المعاصرة. شق «رحمه الله» مشواره الصعب وسط أشواك ومحاذير كثيرة، والكتاب من محررين ومتعاونين غير متاحين حسب متطلبات رئيس التحرير الكفء الذي يدرك معنى الكلمة، ويستميت في سبيل حضورها مشرقة بين يدي القارئ كل صباح.. فعاش عنفوان رياح التغيير العاتية التي تنتظم الصحف اليومية في لهاثها المستديم خلف الخبر، والصورة، والسبق الصحافي، والتحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع مراعاة «الألغام» التي يمكن أن تنفجر في أية لحظة، فتطيح بكثير من المكتسبات. شرفت «الاثنينية» بتكريمه «رحمه الله» بتاريخ 3/7/1415ه الموافق 5/12/1994م، في أمسية تم توثيقها في الجزء الثاني عشر من سلسلة أمسيات الاثنينية، مع رصدها في موقعها على شبكة الإنترنت.. تألق فارسا في تلك الأمسية، وفي الوقت الذي حرصنا على إتاحة أكبر مساحة من الوقت للضيف المحتفى به، إلا أن حبه الذي صبغ قلوب الكثيرين أبى إلا أن يترجم نفسه في كلمات شارك بها الأساتذة: معالي الشيخ حسين عرب «رحمه الله»، ومحمد الحساني، والدكتور زهير كتبي، ومحمد عبد الواحد، ومحمد سعيد بابصيل، والسيد أمين القرقوري.. حتى خشينا أن ينضب الوقت على المحتفى به!! ذلك الحب الجارف لم يأت من فراغ، إنه نتاج أدب رفيع، وخلق جميل، وتعامل إنساني راق، ورحمة من الله لان بها على من يعرف ومن لا يعرف.. سلوك إيجابي متجذر لرجل أصيل من أبناء مكةالمكرمة، ولد على ثراها الطاهر، وعاش في كنفها الطيب، وتشرب من أخلاق حاراتها وشهامة أهلها.. لم يطب له العيش في أي مكان غير حرمها الآمن، وساحاتها، وبرحاتها.. فأكرمه الله بالجوار المتصل إلى أن لحق بالرفيق الأعلى. كتاباته «رحمه الله» جواهر منظومة، موشاة بآيات الكتاب المبين، والحديث الشريف، والشعر، والحكمة، وفصل الخطاب.. امتاز بثقافة عميقة، ودرس عبق في النفس، وقراءة وتثقيف مستمرين، كل ذلك ظهر جليا في نتاجه الغزير الذي أتحف به القراء، رغم أنه دخل الصحافة من باب العمل «أمين صندوق» ثم «محاسبا» في جريدة البلاد السعودية.. فاستهواه الحرف، حتى تسنم رئاسة تحرير جريدة «الندوة» خلال الفترة ما عام 1384ه إلى عام 1406ه.. وقد اشتهر بكتابة عمود يومي يوقعه باسم «ابن حسن»، عالج من خلال كثيرا من المواضيع الاجتماعية التي تلامس هموم المواطن، بأسلوب بسيط أقرب إلى اللهجة الحجازية الدارجة، وكان يختمه بعبارة «وعلمي وسلامتكم».. فوجد استحسان القراء، وكان من علامات قلمه الرشيق.. كما جمع بعض مقالاته في كتاب بعنوان «شيء من الحصاد» فكان بحق نبراسا لشداة الصحافة ومحبي الحرف. تغمد الله فقيدنا الكبير بواسع فضله، وأنزل عليه شآبيب رحماته، وألهم آله ومحبيه الصبر وحسن العزاء، وجعله مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. فاصلة: ألا يعتقد كل منا؟.. أن الحياة «وعلمي وسلامتكم».. غفر الله لك أبا أنمار، هي كدا.. ولا تصح غير كدا.. ويجب أن تكون كدا.. وبرضو وعلمي وسلامتك في الدنيا والآخرة.