في بعض الأحيان نقرأ عبارة ما، فتخلد في ذاكرتنا لا تمحي منها أبدا، وربما ظلت تقفز إلى أذهاننا ما بين حين وآخر تفرض نفسها علينا كلما مر بنا ما يستدعي ظهورها. من هذه العبارات قول: «لا تبك من أجل أحد مطلقا، فالذي يدعك تبكي لا يستحق دموعك، والذي يستحق دموعك، لن يدعك تبكي». كل إنسان في هذه الحياة معرض في وقت من الأوقات لأن يمر بحالة من الخيبة أو الإحباط تصيبه لسبب من الأسباب، إلا أن أسوأ تلك الحالات ما كان واقعا بيد أقرب الناس إلى القلب وأحبهم اليه، كالأم التي تصدم بعقوق الابن، أو الابن الذي يرزأ بتخلي الأب، أو الصديق الذي يفجع بخذلان الصديق، فتتولد آنذاك في الصدر حسرة ومرارة لا حد لهما، إذ ليس هينا أن تجد من كنت تظنه سندك وعونك، يتخلى عنك عندما يجد الجد، فيخذلك لحظة مد يدك له. غالبا في مثل هذه الحالات تختلف ردود أفعال المحبطين، فمنهم من يستحيل ما في صدره من مشاعر المودة والحنو إلى حقد باتر وكراهية مرة فيتحول سلوكه إلى عدوانية لفظية أو فعلية. ومنهم من تشل الفاجعة كل قواه فما يعود يحسن شيئا سوى البكاء، والبكاء هنا ليس بالضرورة أن يكون بالمعنى الحرفي وإنما قد يكون بكاء القلب الذي يفطره الحزن، أن قد حدث ما حدث. ومنهم من تتجمد عنده المشاعر فلا يعتريه كره ولا يحل به بكاء ويظل في حالة من الذهول والشرود المتمثل في شكل برود وسلبية متناهية. وكل ردود الأفعال تلك تمثل استجابات غير صحية لحالة الإحباط وخيبة الآمال، وتؤثر سلبا على نفس الإنسان وتنغص عليه سعادته. وفي مثل هذه المواقف يحتاج المحبط إلى أن تكون لديه معرفة كافية للتعامل مع الأزمات التي تسوقها الحياة إلى دربه من حين لآخر، والنظر إليها من خلال واقعها وتقييم ما فيها في ضوء رؤية الحقائق التي ربما تكون مختفية عنه في طيات غياب الوعي لسبب من الأسباب. والعبارة السابقة، تنحو إلى أن يتعلم المحبط تحليل أزماته عقليا، فيزيح عن ناظره ما يحجب عنه رؤية الحقيقة، ليتبين أن من أصابه بالإحباط ما كان صادقا معه قط، فمن يجرحه أو يظلمه يكون غالبا غير مبال بما يحدثه فعله ذاك من ألم في نفسه، ومن يخذله فينصرف متخليا عنه رغم أن بإمكانه فعل ما هو أفضل، هو يقدم الدليل على ما يكنه من زيف المشاعر تجاهه، ومن كان هذا حاله، كيف أو لم يأسى على فقده؟ في إطار هذه العبارة، تظهر قيمة التحليل العقلي للأزمات متمثلة في قدرتها على أن تجعل مشاعر الإحباط تتهافت، بعد أن يكتشف المحبط أن من أو ما يبكي من أجله لا يستحق البكاء. إلا أني، مع إعجابي بعدالة تلك العبارة، لا أملك ثقة كافية في قدرة الخطاب العقلي على معالجة المشاعر الجريحة، ولا أظن مجرد الانغماس في تحليل المشاعر عبر فهم الحقائق، كافيا للتخلص من مشاعر الإحباط والخيبة. البكاء (من أجل أحد) فعل عاطفي بحت، فكيف يتوقع أن يجدي التعامل معه عقليا؟ إن الأم التي يعقها ولدها، تبكي حرقة من كون فعل العقوق صدر من ابنها، وليس لفقدها منفعة مادية حرمت منها، وربما يكون عندها من الأولاد الآخرين من يكفيها حاجتها ويشبع لديها ما تحتاج إليه من البر والحب والتقدير، لكنها تظل تبكي، تبكي تحسرا أن يصدر العقوق ممن وهبت له أحلى سنين العمر، وحضنته بين ثنايا القلب، وقدمت له أغلى ما يمكن أن يقدمه بشر لآخر، مثل هذه الأم، هل يشفي غصتها خطاب العقل؟! فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة