من رحم طيبة الطيبة انطلق دين الرحمة والمحبة والسلام والتسامح، بقيادة أطهر من مشى على الأرض سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أكد أنه بعث ليكون متمما لمكارم الأخلاق، وشدد على أن الدين النصيحة. ومن تلك الأرض تعلمت الإنسانية دروسا في الأخلاق، من سيرة نبوية شريفة هي بمثابة وثيقة تاريخية إلى الأبد، لتكون منهج حياة ساميا يرتقي بالنفس البشرية وينظم حياتها. وضع الرسول الكريم أساسا صلبا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكان مسجده ومجلسه مؤسسة اجتماعية تنموية، ينصح ويوجه، ويعاقب بأسلوبه الذي تستحضره البشرية اليوم حتى في المجتمعات غير المسلمة. والمراقب لما تتناقله وسائل الإعلام، ومجالس أهل طيبة الطيبة، يستغرب آلية عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هناك، إلى درجة أن الأمر تفاقم من مجرد تصرفات فردية إلى ظاهرة وصورة ذهنية التصقت بهذا الجهاز المنوط به الرقي بالمجتمع وحمايته. من الغريب حقا أن تكون مدينة الحب والسلام، الأرض التي خرج منها المنهج النبوي في الحسبة، تحوي هذه التصرفات التي ما إن تذكر الهيئة فيها حتى يرد أهلها : «الله يكفيك شرهم». من الواجب على الهيئات في كل الوطن وخصوصا في المدينة إعادة النظر في آلية عملها، ومن الضروري أن تضطلع بدورها الحقيقي الذي يأمله المواطن والمقيم، والذي كان أصل وجود الحسبة في التاريخ الإسلامي. ليس دور الهيئة أن تطارد شابا لبس بنطالا أو تقتاد مواطنا وزوجته من قلب سوق أمام كل الناس، بتهمة التشكيك في أن مرافقته «قد تكون» ليست زوجته، وفي النهاية، تعتذر بورقة توزعها على الصحف بينما نظرات الازدراء وأحاديث الناس والسمعة السيئة تلاحقه في كل الزوايا. أعتقد أن على الهيئة أن تتفحص وجوه المجتمع وتتحول إلى مؤسسة تنموية تحل المشاكل الاجتماعية وتوقف نزيف ظاهرة الطلاق مثلا، وقائمة أخرى من الأزمات التي بيد أهل الحسبة حلها، والدعوة إلى دين المحبة بالحكمة والموعظة الحسنة. إذا كانت الهيئة مؤسسة انطلقت من توجيه نبوي، فإن السنة ذاتها أكدت على التعاطي مع الناس بطرق أكثر تحضرا مع الحفاظ على الخصوصية وحقهم الإنساني في حفظ كرامتهم وسمعتهم. وأتمنى على الشيخ عبدالعزيز الحمين أن لا يكتفي بالكراسي البحثية في الجامعات وإعداد الاستراتيجية، بل أن ينظر في جهازه ككل خصوصا مع الذين يتعاطون مع الناس مباشرة في الشوارع، فمازلنا ننتظر أن تحقق أيها الشيخ ما يأمل المواطن مثلما حقق زملاؤك الذين عينوا معك لحمل حقائب لا تقل حساسية وتعقيدا عن التي تديرها. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 261 مسافة ثم الرسالة