العزيز السيد عبدالله الطريقي / رحمك الله، ما أشبه اليوم بالبارحة البعيدة... مصادفة في عالم افتراضي واسع أرحب من واقع يضن علينا بالكتب والمقالات نسخ أحد الأصدقاء مقالك الذي نشر في مجلة اليمامة عام 1372 ه على صفحات الفايسبوك قرأناه ونحن غير مصدقين وتناقلناه مع أصدقاء كثر غمرتهم الدهشة مثلنا. البعض بدأ بالتحسر وما زال والآخر الأكثر واقعية طالب باعتبار مقالتك رسالة تبعث فينا الأمل وآخرون مثلي عقدت ألسنتهم الدهشة ولم يعرفوا أن تحديد مشاعرهم ورأيهم من كلماتك هل تحفزهم على التفاؤل أم العكس تماما تغمرهم بالإحباط ويملؤهم الشعور بالعجز ؟ مقالك الجريء الموجه إلى خريجي الجامعات والمعاهد العليا حينها أثار كثيرا من الضجة كما أوضح رئيس تحريرها الأسبق الشيخ حمد الجاسر بعد مضي أكثر من ثلاثين سنة على النشر. بدأت مقالك المعنون ب «إلى أين نحن مسوقون» بالجملة البسيطة التالية «عزيزي الخريج: في الأسطر التالية سأتحدث إليك حديث الزميل الذي مر على الأطوار التي تمر بها الآن، والتي ستمر بها في المستقبل، وسأكون صريحا معك إلى أبعد الحدود...» وكنت كما وعدت صريحا إلى أبعد الحدود لأن الذي يهتم حقا، من يخلص لهذا الوطن لا يسعه إلا أن يكون صريحا إلى أبعد الحدود. تحدثت عن تجربتك في الرجوع للوطن بعد الابتعاث الدراسي الطويل في الثلاثينيات والأربعينيات وعن طموحاتك في التغيير التي اصطدمت بواقع أغلق الباب في وجه أحلامك حال وصولك «أغلقت الأبواب في وجهي» كتبت وأضفت تحدثنا عنك عن الفتى الشاب الطموح الذي بات مثار سخرية الكل بسبب حديثه عن الوطنية والإخلاص والتضحية بينما هم يتحدثون عما جمع فلان، وكسب فلان، وكيف تقدم فلان... وإلخ من أفعالهم. كيف حاول «الطيبون» كما وصفتهم بمحاولة إصلاحك أو بالأصح إعادة تأهيلك بما يتناسب مع ما خطه مجتمعهم من أمثالك كيف نصحوك بالإقلاع عن سذاجتك وإظهار الانصياع والخضوع عوضا عن الطموح والأفكار الجديدة التي يحملها شاب خريج في مقتبل عمره. حاولت فعل ذلك، إجبار نفسك «المتكبرة المتغطرسة» كما لقبوك، على الانصياع لعل الأبواب تفتح في وجهك لكن النفس الحرة الأبية لم تقو على النفاق وهكذا بقيت ومرت السنوات وأنت أنت لاتهادن ولا تنافق رغم سخريتهم رغم تكاثر المنافقين صغارا وكبارا ووصولهم إلى مناصب هامة في حين أننا، نحن وأنت وغيرنا الكثير كما تقول «ما نحن إلا أناس متعلمون متغطرسون، لنا أفكار غريبة، ونظريات في الحياة مكروهة، وخطرة على بيئتنا الطاهرة المؤمنة الموحدة، لقد حاربونا يا صديقي واستعملوا كل سلاح كما سيحاربونك ويستعملون كل سلاح للحيلولة دونك ودون هدفك». على الرغم من كل ما سبق ذكره وقفت شامخا بين الأقزام والمستنفعين المنافقين فمهما طال وقت استنزافهم للوطن وخيراته تماما كالقرادة التي تقتات على امتصاص الدماء لا بد أن تتضح الحقيقة يوما. تخبرنا في مقالك أنك لو كنت أقل إيمانا برسالتك في الحياة «لتحطمت من زمن بعيد» لكن رسالتك التي تحملها في ذكرى منشئ هذه البلاد هي الإخلاص والتفاني والمحافظة على دولة طالما انتظر التاريخ قيامها فهي قلب العروبة والإسلام. ختمت مقالتك بتذكير الخريجين أن«الظروف المحيطة بنا لا تشجع كثيرا، ولكن الطريق أمامنا متسع، ولو أنه شاق وعر، ورسالتنا ليست بالسهلة، ولكن باستعمالنا الحكمة والتبصر في الأمور والابتسام للشدائد، والتعاون والتعاضد والسير صفا واحدا، نحو الهدف الأسمى، سنصل يا صديقي وسنرفع شأن وطننا». أخصص مقالي هذا لاقتباس مقالك الذي وقعت عليه في الوقت الأكثر ملاءمة، وما أنا بخريجة جديدة ولم أعش في الخارج لأرجع وأصدم بأحوال البلد الداخلية لكنني ومعي الكثيرون من أبناء وبنات جيلي والجيل القادم نجابه ذات الطريق الوعرة، محاصرين بذات التهم الجاهزة ويبدو أيضا أن التاريخ يعيد استنساخ نفسه فلدينا نفس فئة المنافقين والمستنفعين الذين ما فتئوا يقدحون في وطنيتنا وأفكارنا الغريبة عن حقوق الإنسان، عن المرأة وعن الصغيرات اللواتي يسقن كالسبايا في سوق النخاسة إلى كهول تبيع فيهم وتشتري. ما زلنا يا سيدي الوزير الغائب عنا بجسده وروحه الحاضر بكلماته وفكره ندور في ذات الدائرة المغلقة نرفض أن نهادن وأن نسلم أمور وطننا لزمرة لا ترى في الوطن إلا منصبا ووجاهة وحسابا بنكيا عامرا. منذ صدور مقالك قبل 57 عاما إلى اليوم ما زالت الطريق الوعرة ولكن الطريق أمامنا متسع، شكرا لك جددت فينا الهمم ما ذهب مضى والغد لا بد أن يكون أكثر عملا حتى... لو لم يكن أجمل. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 249 مسافة ثم الرسالة