قبل أسبوع انتهت أيام إجازة نصف العام الدراسي وعاد المعلمون والطلاب إلى مدارسهم – بمراحلها المختلفة – وإلى مقاعد دراستهم بعد أن قضوا أيام الإجازة المدرسية في وطن اتسعت مساحة جغرافيته وتباينت تضاريس طبيعته واختلفت أجواء مناخاته بين مناطق تنخفض فيها درجات الحرارة لتلامس الصفر المئوي أو ما تحت الصفر ومناطق أخرى يسود فيها الاعتدال ويشيع فيها الدفء – في هذه الأيام من العام – وكما هو الحال في مثل هذه الأجواء تتنافس إغراءات المواقع بين مرتفعات تكلل السحب هامات قممها وتتساقط الأمطار في شعابها ووديانها وبين سهول تتباهى بخضرة حقولها وثغاء شياهها ورغاء إبلها ومحصول نباتها وبين سواحل يتراقص الموج على شفاه شواطئها وخلجانها وينساب بياض أشرعة سفنها في أفق بحارها المشرب بحمرة الشفق وذهبية الأصيل ساعات الغروب. بين تباينات جمال عناصر هذه الطبيعة وتآلفها – في هذا الوطن – وبين من استطاع ريش أجنحتهم المادية أن يحلق بهم في أجواء بلاد الله الواسعة وأرضها الفسيحة قضى بعض هؤلاء المعلمين وبعض الطلاب وأيضا بعض الأسر قضوا هناك أيام الإجازة وعادوا بعد أن كسروا أجواء الملل وتحرروا من رتابة قيود العمل وجددوا دماء أجسادهم وأفكارهم استعدادا للنصف الثاني من عامهم الدراسي. مع توارد خواطر هذه العودة عادت إلى ذاكرتي بعض ذكرياتي مع أبنائي الطلاب عندما كنت معلما لفروع اللغة العربية تتعبني اختيارات «مادة حصص التعبير» رغم أن الكثير من زملائي كانوا ينظرون إليها على أنها من باب «سقط المتاع» حتى إنهم كانوا يستنكرون علي عندما لا ينجح أحد هؤلاء الطلبة في هذه المادة. أكثر ما كان يتعبني – في تلك الحصص – عندما أترك الموضوع اختياريا لطلابي عندما أجد أصابع كثير منهم ترتفع مما يخلق في نفسي الأمل بأنني سأجد في تنوع اختياراتهم أفكارا جديدة أدخرها أو أدخر شيئا منها لحصص قادمة – ربما تمتد لآخر العام الدراسي – ولكني أفاجأ بأن أصحاب تلك الأصابع التي ارتفعت تكاد تكون أفكارهم واحدة أو متشابهة، إذ لا تخرج عن بعض الموضوعات المستهلكة التي تتلخص في صيغة واحدة. كيف قضيت الإجازة؟ أو قامت مدرستك برحلة – إلى مكانٍ ما – صف هذه الرحلة!! أو اكتب لزميلك رسالة تهنئة بنجاحه!! ومع إيماني بأن عقول أولئك الطلبة ما زالت في مراحلها الأولى وأن مثل هذه الموضوعات المألوفة هي الأكثر ملامسة لعقلياتهم وأفكارهم الغضة التي ما زالت في بدايات تشكلها المعرفي، إلا أنني كنت أؤمن – أو هكذا كنت أعتقد – بأن هذه المحدودية لم تأت من فراغ وإنما هي ترسبات لتلقينات غرست في أرضيات تكوينهم الفكري منذ البدايات وقتلت جينات الإبداع في دواخلهم وأفقدتهم القدرة على التحليق في أجواء ما يدور حولهم من تفاعلات ومستجدات في مسيرة الحياة الضاجة بكل جديد – سواء على مستوى محيطهم المحلي أو خارج إطار المحلية – إنها قضية تتعلق بالمعلمين أولا وأخيرا. للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي تبدأ بالرمز 101 مسافة ثم الرسالة