منذ الإعلان عن صدور ترجمة فرنسية لروايتي (العطر الفرنسي) عن دار لارماتان، لم تنقطع الأسئلة التي أتلقاها يوميا، من مثقفين، وصحافيين، وحتى من أشخاص عاديين أصادفهم في الشوارع والأسواق، ولا يعرفون عن كتابتي شيئا: لماذا العطر الفرنسي بالذات؟ الحقيقة إن هذه الرواية ليست أفضل أعمالي على الإطلاق، وقد كتبت أعمالا غيرها كنت راضيا عنها كثيرا، وبرغم ذلك لم تترجم حتى الآن كاملة لتقدم للآخر الذي أردته أن يعرفني بها، بينما ترجمت العطر الفرنسي مخطوطة حتى قبل أن تنشر بالعربية، وكان الفرق بين الطبعة العربية والفرنسية شهرين فقط. هنا الكاتب لا يختار كتابه للترجمة، ولكن يستجيب لرغبة المترجم الذي يحب نصا ولا يحب آخر، يتعاطف مع نص ولا يتعاطف مع آخر، ولربما يعرف جيدا أن ثمة نصوصا رائعة، لكن قد لا تقبل إن نقلت إلى ثقافة أخرى، ونصوصا عادية يمكن أن تصنع ضجيجا إن نقلت إلى ثقافة أخرى، ولأن المترجم قرأني جيدا، وأراد قراءة هذه الرواية قبل أن تصدر، منحتها له وكان أن سارع بترجمتها وتقديمها لدار كبيرة، وبالتالي نشرت. الكاتب الذي من جيلنا في اعتقادي، تربى على الكتابة للعرب، للذين أحب لغتهم وأحب أن يشاركوه ما يستطيع كتابته، ولا تكون عينه أبدا على قراء من بلدان أخرى غير العربية، لذلك لم تكن ترجمة أعمالنا هاجسا، كما يحدث في كتاب هذه الأيام الذين يكتبون وأعينهم مفتوحة على الغرب، ونصوصهم جاهزة بالتحايا والقبل لثقافة الغرب، وهناك كثيرون تعدوا على القيم في مجتمعاتهم ليلفتوا نظر الغرب. ولكن في اعتقادي أن الغرب دائما شديد الوعي، ولا يختار من الثقافات الأخرى إلا التي يحس بها، صادقة ولم تكتب أصلا إلا لقرائها الأصليين، وهذا الأمر ينطبق على السينما والمسرح والفنون الأخرى. الجميع يظنون أنني حشرت الفرنسية كاتيا كادويلي، في النص بغية لفت نظر الغرب، ووحدي أعرف أن الأمر ليس كذلك، وتلك الكاتيا التي كتبتها في العطر الفرنسي كانت ممرضة، عملت معي منذ سنوات بعيدة، في مجال الإغاثة في شرق السودان، وكانت ملامحها ترد إلى ذهني بين حين وآخر، إلى أن خرجت في هذه النص، ممرضة ولكن في مكان آخر، وبمواصفات أخرى، وزوجة وهمية أو متخيلة لعلي جرجار الفقير في حي غائب الشعبي في مدينة سودانية. كتب أحد الإخوة في صحيفة سعودية، إن رواية العطر الفرنسي مطابقة لرواية موسم الهجرة للشمال، وهذا ما جعلني أقترح صادقا، أن يجمع كل كتاب الرواية في السودان، وتقطع أطرافهم حتى لا يفكر أحد في كتابة رواية مرة أخرى. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة