أحيانا، أعود لبراءتي الأولى، والأهم: لجراءتي الأولى، وأكتب، وعندها أشعر بطمأنينة التصالح مع النفس، فمجرد المحاولة، محاولة المصالحة مع النفس تفعل الأعاجيب، اليوم أنا في حالة كهذه، وأتمنى أن تستمر، حتى نهاية الكتابة على الأقل، سوف أقول شيئا مهما، بالنسبة لي، وأظنه كذلك بالنسبة لمن يتابع كتاباتي الصحفية، خاصة أن هناك من يلومني، وباستياء كبير أحيانا، حول توجهي لكتابات في الفن، وتحديدا في السينما المصرية، أول القول إنني أحب هذه السينما كثيرا، وأزعم بمعرفتي لكافة نتاجها، ومتابعتي لكل النماذج فيها، بدءا من مبدعيها الكبار، مثل توفيق صالح، وصلاح أبو سيف، ويوسف شاهين، وانتهاء بأكثر نماذجها، بلها، وسذاجة، وفقر موهبة، مثل ناصر حسين، والمرحوم ياسين إسماعيل ياسين، لكن ليس هذا المهم الآن، المهم هو ثاني القول، وثالثه، ورابعه: يظن كثير من أهل الشعر الشعبي على الأقل أنني أمتلك أدوات نقد أدبي كافية للاهتمام أكثر في قضايا الشعر والأدب الشعبي، وأعترف أنني أظن في نفسي مثل ما يظنون أيضا!، فلماذا أتحاشى، وأتهرب، وأتحايل على مثل هذا الأمر كثيرا، إن أردتم الإجابة، إسمعوني إذا: مبكرا، اكتشفت حقيقة مرة، وهي أن النزاهة، مطلب أساسي للنقد، وفيه، وأن الساحة الشعبية لا تتقبل نزاهة نزيه، والأهم أنها قادرة على قمعه، وقد كنت فيما أظن ممتلكا لمثل هذه النزاهة، في صباي، وإن عاب هذه النزاهة، أمور، مثل الشراسة، والحسم، لكنني ويا للأسى، أعترف وبكامل قواي العقلية، أنني افتقدت هذه النزاهة، اللازمة لوجود نقد محترم، أتعبني حملها، فسمحت لقليل منها بالتسرب من بين أصابعي، وشيئا فشيئا صرت عاجزا عن الإمساك بشيء منها، تعلمت التغاضي، والمجاملة، والمراوغة، والتحايل، وقبلت دعوة الظهر لمأدبة الإنحناء، خفت، وسمعت النصيحة المغلفة بالتهديد، حتى لو أتت من أقرب المقربين: (يا ولد.. كل عيش)!، صحيح أنني ما زلت أكتب مقالات نقدية في الشعر الشعبي، لكنني أكتبها بحذر، وحسابات، وليته كان حذرا أدبيا، وليتها كانت حسابات نقدية، وحين أكتب عن تجربة شعرية، أو عمل أدبي، وأتناوله بنقد يكشف سلبياته، لا أكون متحاملا عليه أبدا، لكن هذا لا يكفي لإخفاء شعوري بالخزي، لأنني أسأل نفسي بعد كل هذا: ترى لو كان هذا الذي تتحدث عنه شخصية اجتماعية مرموقة، أو تربطك معه مصلحة خاصة، هل كنت ستقول ما تقول، وهل تكتب ما تكتب؟، وتنفجر الإجابة، في وجهي: لا، طبعا، لا، وألف لا، لهذا أيها السادة الكرام بحثت عن مجال آخر غير الشعر، أكتب فيه بطمأنينة ضمير، ولأنني أحب كرة القدم والسينما المصرية، رحت أكتب فيهما فكرة القدم، وبالرغم من كل العوائق التي يسهل على نبهاء مثلكم، تخمينها، تظل بالنسبة لي أقل خطرا من الشعر الشعبي وعوالمه، أما الكتابة في السينما فهي أفضل وأجمل، مناخ نقدي، متاح لي، إذ لا تربطني بأحد من أهلها علاقة مصلحة، أو علاقة (مصلخة) من أي نوع!، وفي غياب الخوف والطمع يمكن للكتابة أن تكون أكثر شرفا، وأطيب مذاقا، لذلك فإنني لا أجد نفسي مرتاحا ومنشرحا وشديد الانبساط، كما أجدني في الكتابة عن السينما المصرية، أو الأغنية المصرية أيضا!، أعترف: حين أكتب في هذين المجالين لا أكتب لكم، وإنما أكتب لنفسي، فإن راقت لكم الكتابة، فخير على خير، لا أكتب لكي (آكل عي)، ولكن لأحيا، ولأكتشف نفسي، فإن نفعت هذه الكتابة في (أكل العيش)، فخير على خير، وإلا!.. آخر القول: أنا أصدق الناس، وأعدلهم، وأنا البهتان والزور يا قطعة النرد شوفي، وش بقى لي بي من أعذار غاب الطفل، قلت : طيب، غاب بعد الطفل: عصفور طيب، وغاب الثمر: طيب، وغابت كل الأشجار غابوا محبين: طيب، غبت أنا: طيب، بكت دور طيب وبعدين يا طيب، وش اللي ظل ما صار؟!.