أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    يعد الأكبر في الشرق الأوسط .. مقر عالمي للتايكوندو بالدمام    "إنها طيبة".. خريطة تبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بالمنطقة    الموافقة على الإطار العام الوطني والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    أمير الشرقية يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الملك عبدالعزيز الملكية    الاستخبارات الأمريكية تكثف تحذيراتها بشأن التدخل الأجنبي في الانتخابات    منتدى "بوابة الخليج 2024" يختتم أعماله بإعلانات وصفقات تفوق قيمتها 12 مليار دولار    رابطة محترفان التنس..سابالينكا تحجز مقعداً في نصف النهائي.. ومنافسات الغد تشهد قمةً بين إيغا وجوف    أمريكا تختار الرئيس ال47.. ترمب أم هاريس؟    مقتل 37 فلسطينياً.. مجزرة إسرائيلية في قطاع غزة    كيف يعود ترمب إلى البيت الأبيض؟    محافظ الخرج يستقبل مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    انعقاد مؤتمر الأمراض المناعية في تجمع عالمي وطبي    أطفال اليمن يتألقون بتراثهم الأصيل في حديقة السويدي    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يرأّس اجتماع المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف    الولايات المتحدة تختار الرئيس ال47    الطائرة الإغاثية السعودية ال19 تصل إلى لبنان    "الصناعة والثروة المعدنية" تعلن فوز 11 شركة محلية وعالمية برخص الكشف في 6 مواقع تعدينية    توقعات بهطول الأمطار الرعدية على 5 مناطق    مركز مشاريع البنية التحتية بالرياض يشارك في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة    المملكة تثري الثقافة العربية بانطلاق أعمال مبادرتها "الأسبوع العربي في اليونسكو" في باريس    إشكالية نقد الصحوة    أرباح «أرامكو» تتجاوز التوقعات رغم تراجعها إلى 27.56 مليار دولار    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    سلوكيات خاطئة في السينما    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    تنوع تراثي    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    أمير تبوك يستقبل القنصل البنجلاديشي لدى المملكة    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلمت البلدية لهيئة الرقابة ولم أقدم السبت لأنتظر الأحد
بعض المسؤولين يأخذ من الدولة ما يكفيه ولا يقتنع .. مهندس البنية التحتية د. حسن حجرة ل عكاظ :
نشر في عكاظ يوم 19 - 02 - 2010

لم يمر على الطائف رئيس بلدية في عصرها الحديث مثل الدكتور حسن حجرة، الذي أخرج المصيف الأول من الفوضى إلى التنظيم، وكان له السبق الأول في تنظيمها وإعداد بنيتها التحتية وتشجيرها وتسمية شوارعها ورفعها من مستوى بلدية إلى أمانة.. بحثت عن الدكتور حجرة لكثرة ما سمعت من المسؤولين الذين التقيتهم عن نظافة يده وإخلاصه، فوجدته أقرب إلى البساطة من التعقيد، ضحوكا بشوشا يتحدث بلا أقنعة ومتواضعا الى أبعد مدى.. رفض التعليق على أقوال أهل الطائف بأن مشاريعها البلدية بعده أصبحت (محلك قف) وقال: كل يعمل حسب رؤيته وظروفه.. شدد في حديثه على مبدأ الشفافية وعفة النفس في التعامل مع المال العام وأن القناعة بالرزق تقطع الطريق على المحسوبية والمجاملات والرشاوى.. وقال بصراحة متناهية إن مشكلتنا أن بعض المسؤولين يأخذ من الدولة ما يكفيه ولكنه لا يقتنع بذلك. أوضح بأنه تحمل عبارات الشتم الجارحة في سبيل إيقاف اعتداءات المتنفذين على الأراضي. ووصف ما حدث في قويزة بأنه نتاج الطفر والطفرة وأن يد العدالة ستنال من المتسببين فيها. حوار بدأ بملامح الطفولة التي تلقن فيها درسا في نظافة اليد وعدم التطاول على حقوق الآخرين.
ولدت في حارة النقا في مكة المكرمة قريبا من الأجواء الروحانية للحرم، وعشت مع أسرتي عيشة كفاف وستر. والدي عمل صباغا طوال حياته، وحاول أن أسير على خطه فلم أفلح، لكنه علمني أن أكون عفيف اليد وأرضى بما قسم الله لي ولقنني درسا في أحد الأيام بسبب نصف ريال فضة وجدته ملقى على الأرض فأخذته وفرحت به، وبعد أن علم والدي بالأمر طلب من أخي أن يذهب معي لنفس المكان لإعادة النصف ريال إلى مكانه، فبكيت بشدة ورآني الوالد متأثرا.. فقال لي معاتبا (كيف تبكي على شيء ليس لك) ومازلت أترحم عليه لأنه صنع بي معروفا لا أنساه طوال العمر. درست في المدرسة السعودية الابتدائية وزاملني فيها د. عبدالحميد أبوسليمان ود. صالح القدهي ود. زهير السباعي. ثم انتقلت لمدرسة تحضير البعثات وتزاملت مع عدد من رعيل الدولة الأوائل مثل المهندس محمد سعيد فارسي ود. عبدالله باسلامة ود. طاهر بن صادق ود. يوسف ملائكة وآخرين لا أتذكرهم الآن، ومن الجميل أننا مازلنا نلتقي مرتين كل عام رغم ظروف الحياة التي باعدت بيننا. ولأنني أردت أن أساعد والدي وأكون صاحب دور مشارك في المسؤولية قررت التوقف عن الدراسة بعد السنة الأولى في تحضير البعثات رغم غضب والدي، وخرجت أبحث لنفسي عن عمل، ومن حسن حظي أن طلبت مديرية الزراعة عام 1372ه ستة طلاب من حملة السنة التوجيهية أو الثقافة ليتم تدريبهم من قبل أحد خبراء منظمة الأغذية والزراعة على مشروع وادي جازان، فتقدمت بشهادة السنة الرابعة من تحضير البعثات (أول ثانوي) فتم اختياري للتدريب في جدة لمدة عام كامل وفي العام التالي تحولت مديرية
الزراعة إلى وزارة وتم تعيين الأمير سلطان وزيرا لها، فعملت في سنتي الأولى بعد التدريب مأمورا لمقاومة الجراد في ساحل البحر الأحمر وفي القصيم بالقرب من مدينة المذنب، ثم تم إرسالي كمبعوث للدراسة في ريف مصر لمدة عامين فحصلت على دبلوم التربية الأساسية في العالم العربي عام 1956م، وفي هذه الفترة حصلت على الثانوية العامة من المدارس الليلية فشجعتني الوزارة على الانضمام لكلية الزراعة في القاهرة على حسابها فحصلت على شهادة البكالوريوس فأصبح طريقي واضحا.
عدلت مزاج أهل الطائف باللون الأبيض وتحملت الشتم لحماية المال العام
• كيف جمعت بين الدراسة التي لم تكن موجودة إلا في مكة والعمل في جازان؟
كنت أحضر إلى مكة المكرمة يوم الخميس من كل أسبوع وكان ينتظرني زميلي الدكتور عبدالله باسلامة قرب المسجد ليسلمني واجبات كل أسبوع وما تم استذكاره لنسخها خلال بقائي في مكة، ولم تكن الكتب متوفرة ولا المدرسون؛ لمحدودية عددهم في تلك الفترة وكم عانيت في إيجاد مدرس أو شخص ليشرح لي بعض الدروس ولكن كانت عندي إرادة غير عادية ورغبة جامحة للحصول على الشهادة لأثبت لنفسي ولأبي أنني قادر على النجاح في العمل والدراسة وقد وفقني الله لذلك.
• لماذا يقول أهالي الطائف إن مدينتهم أصبحت (محلك قف) بعد حسن حجرة؟
هذا الكلام يسعدني بدون شك، لكن فيه ظلم لمن جاؤوا من بعدي وأعتقد أن لكل فترة ظروفها وميزانياتها وخططها، ولكل مسؤول رؤية معينة أيضا، وقد يكون رأيهم مبنيا لأنني تقلدت مسؤولية البلديات فيها وكانت المدينة تعاني بشدة والعمل فيها يسير بشكل عادي، وبتوفيق الله ودعم المسؤولين لي انتقلت المدينة إلى الواجهة في ظرف عشر سنوات على مستوى بناء البنية التحتية وتشجير المدينة وسفلتة شوارعها وإقامة شبكة الصرف الصحي وتسمية وترقيم شوارعها وإزالة عشوائياتها وإعطاءها طابع موحد متناغم يرتدي اللون الأبيض الناصع وأتذكر عندما كنت في جدة أن الفارسي اهتم كثيرا بالمجسمات الجمالية، وأنا ركزت على الشجرة كمجسم جمالي بسبب تنوع الأشجار وطريقة نموها والتعامل معها.
• وكيف واجهت مشكلة الفساد التي ظلت تؤرق القطاع البلدي هناك؟
والدي كان يقول لي كلاما لم أفهمه إلا عندما عملت في البلديات ويجيب على سؤالك. كان يقول لي رحمه الله (ياحسن استغني عن ما في يد الغير تصبح قرينه)، والناس دائما ما يجرون خلف المادة والدولة حفظها الله وفرت لنا ما يغنينا عن النظر في يد غيرنا ولكن بشرط أن نكون مقتنعين برزقنا دون تبذير، ويبدو أن مسألة نظافة اليد مرتبطة بهذا المبدأ، ولذلك عندما قال لي أحد أصحاب المؤسسات في إحدى المرات (ترى اللي يقدم السبت يلاقي الأحد) قلت له: أنا لا أقدم السبت ولا أنتظر الأحد ويوم أن أحال على التقاعد وأخرج من الحكومة لن أقدم على وظيفة عندكم. فذهب إلى مديره الذي اتصل مستفسرا، فقلت له نفس الكلام، ويبدو أنهم لم يعتادوا على هذا الأسلوب من قبل. والحقيقة أنني تعاملت مع الموضوع بكل بساطة. اتصلت على هيئة الرقابة والتحقيق وأبلغتهم بشكوى مواطن لي بوجود مساح أراض في البلدية يقوم بابتزازه للخروج معه مقابل خمسين ريالا فقط، وتم القبض عليه في اليوم الثاني على مرأى من الناس فكان لهذه الخطوة أثرها الكبير في حماية البلدية على مدى عشر سنوات.
• وخسرت أشخاصا من العاملين معك؟
هم خسروا أنفسهم، وبصراحة هناك أمور لا ينبغي التهاون فيها، فمدير المشاريع في البلدية لم يكن سعوديا ويحضر في التاسعة والنصف أي بعد رئيس البلدية بساعتين ومكتبه مهمل وغير منظم، وعندما سألته عن سبب ذلك يقول لي (أنا قرفان)، فطلبت منه بكل بساطة أن يقدم استقالته، وتم اعتمادها من الأمير متعب فورا، ومن اليوم التالي لهذا القرار لم أجد ورقة أو ملفا مهملا على مكتب أي مسؤول في البلدية، فالصرامة منهج مطلوب في ضبط أمور العاملين خصوصا المتعاملين مع الجمهور كقطاع البلديات.
• إلى أي مدى اصطدمت مع المعتدين على الأراضي؟
لدرجة لا تتصورها، ولكنني لم أواجه موضوع التعديات لوحدي، وكنت أذهب ومعي عدد من كبار المسؤولين بالبلدية للوقوف على المشكلة، وكنت أتعرض للشتم والتطاول من قبل بعض المتنفذين من المسؤولين، ولكنني لم آبه لذلك لأنني أملك قوة الحق ودعم القرار من قبل الجهات المختصة لإيقاف هذا السرطان الذي عانت وتعاني منه جميع المدن حماية للمال العام من السرقة.
• قالوا إنك لم تكن تقبل حتى التقاويم؟
من عادتي إذا جاءني أي زائر في البلدية أن أضغط على الجرس فيأتي مدير مكتبي للجلوس معي خوفا من أي شبهات يمكن أن تحصل، ففي أحد الأيام زارني مسؤول في إحدى الشركات ومعه علبتا تقاويم فطلبت منه أن يعطيها لمن يستحق، أما أنا فتأتيني من الدولة كل عام عشرة تقاويم ولا أحتاج منها إلا واحدا، أما البقية فأوزعها على الموظفين، فخرج الرجل من مكتبي وقال: حتى التقاويم ما يقبلها. وهذا كلام يشرفني ويسعدني لأن التقاويم وسيلة سهلة من وسائل المجاملة ولكنها نافذة خطيرة للمحسوبية أيضا.
• مع أن الناس تقول إن كل من يدخل البلديات والأمانات لابد أن يستفيد ماديا؟
أنا لم أستفد من عملي في الحكومة إلا راتبي، وكان مرتبا سخيا يكفيني والحمد لله فلماذا أمد يدي على شيء اؤتمنت عليه وليس لي حق فيه، وزد على ذلك أن ولاة الأمر حفظهم الله لم يبخلوا علي بشيء، وكانوا يصرفون لي مخصصا دائما كل عام وهذا المخصص ساهم في أن يكون الإنسان غنيا وعفيف اليد أيضا، وللأسف أن البعض يأتيهم هذا المخصص فوق رواتبهم ولا يكفيهم أيضا ويحاولون إخفاءه عن الآخرين، ولا تنسى أن أخلاقنا الإسلامية تفرض علينا أن نرد المعروف بأحسن منه، فالدولة رعاها الله أحسنت إلي وابتعثتني للدراسة في الخارج وصرفت علي لأعود ساعدا ومعينا لها وعنصرا صالحا في المجتمع وأمثلها في المحافل والمناسبات، لا أن أكون خنجرا يطعن في الظهر ولم تكن الفلوس كل شيء وأنا أشعر بالرضا والخير عندما كنت موظفا وعندما تقاعدت أيضا والحمد لله.
• لكنك ضقت من النقد كثيرا؟
كنت أضيق من التجريح، أما النقد فلا يضايق أحدا واعتبرته ميزة في أهالي الطائف لمطالبتهم بحقوقهم دائما، ومما أسعدني رغم كل ما حصل أن الأهالي مازالوا يذكرونني بخير وكنت أعمل على مبدأ (أن خطأ المسؤول في البلدية مستمر أمام الناس فيما بعد بعكس الطبيب الذي ينتهي خطأه بوفاة المريض) ولذلك لم أجامل أحدا.
• ماهي أبرز العقبات التي وقفت في طريقك على مدى عقد كامل وحدت من طموحك في تحقيق الأفضل؟
ليست عقبات بالمعنى المقصود بقدر ما كانت الجوانب المالية تحتاج إلى قوة دفع لتنفيذ المشروعات، وكنت أحظى في مشاريع الطائف بدعم كبير من الملك خالد والملك فهد رحمهما الله ومن الأمير متعب شخصيا. والحقيقة أن المسؤول بحاجة لمن يضعه في الصورة ليتخذ القرار، وكمثال حديقة الملك فهد التي كلفت الدولة 90 مليون ريال، فقد سألني الملك فهد رحمه الله في إحدى المناسبات عنها فقلت له: ممتازة ولكنها تعمل يوما للنساء وآخر للرجال وينقصها أن يكون مشابها لها يوم للعائلات، فأمر على الفور بنزع ملكية الأرض المجاورة للحديقة وتنفيذ المشروع، كما تبرع الملك خالد بوايتات عملية تشجير المدينة وكانت احتياجاتنا المالية لملاعب الأطفال في كل أنحاء الطائف تأتينا مباشرة من الديوان لمدة ثلاث سنوات متتالية حتى اكتملت خطة الإنشاء، وأعتقد أن عملية المتابعة مع ولاة الأمر بشكل دائم كانت تحفزني كثيرا لعمل المزيد وهم يحبذون هذا الأسلوب في العمل بحيث تكون كل صغيرة وكبيرة أمامهم.
• يقال بأنك فرضت عليهم اللون الأبيض وخربت درج منازلهم دون استشارتهم؟
الطائف مدينة لها عمقها وتاريخها الذي يستحق الاهتمام به، لو تركنا كل إنسان يعمل بمفرده لما أصبحت الطائف مدينة. والتاريخ يقول إنها أول مدينة في المملكة وزعت فيها أراض مخططة وكان الالتزام بالتخطيط يتناسب مع حاجتها في ذلك الوقت لكن الرؤية تغيرت حاليا، وعندما جئت للطائف وجدت أمام كل بيت درجا مقتطعا من الشارع وليس من مساحة بيته، وفي كل شارع وحي ألوان غريبة وشاذة لا تتناسب مع بيئتنا وامتدادات تصطدم مع المخطط فقررت أن لا أجامل أحدا لإعادة ترتيب المدينة كما يجب وإعطائها هوية ثابتة، وأعتقد أن اللون الأبيض الذي لبسته المدينة محبب لنا كمسلمين لأنه لون الطهر، إضافة إلى أنه يعكس أشعة الشمس، وفي بلداننا الحارة يعتبر أمرا مطلوبا. طبعا هذا أمر لم يعجب المزاجيين، وكنت أقول لأي شخص (ضع اللون الأبيض للجدار الخارجي فقط وتصرف كما يحلو لك في الداخل والزم حدود بيتك) ومن أعطاهم ربنا خيرا أكثر يمكن أن يستخدموا الرخام أو حجر الرياض مثلا وكلها من البيئة، وأتمنى أن أكون قد عملت قدر اجتهادي.
• هل كان لضغوط بعض المتنفذين الرافضين لأسلوبك في إدارة العمل البلدي في الطائف دور في خروجك من المنصب؟
لم تكن هناك أي ضغوط في هذا الاتجاه، لكن سر تقاعدي قبل بلوغي سن الستين فعليا يكمن في أن والدي عندما استخرج لي حفيظة النفوس في تلك الفترة تم إضافة سنوات إلى عمري لكي أجد وظيفة أسترزق منها فدفعت ثمنها قبل بلوغي الستين ولكنني لم أندم على شيء ولم أجد من وراءها إلا خيرا من قبل ومن بعد سواء في العمل الحكومي أو الأهلي.
• خرجت من الطائف وأنت مرتاح الضمير؟
جدا.. ومازلت أتذكر كلمة الملك فهد لي عندما افتتح المدينة الرياضية بالطائف فالتفت لي وقال (أنت ولدنا ياحجرة)، وعندما اختارني الأمير متعب بن عبدالعزيز منتدبا لمدة ثلاثة أشهر ثم مدد لي لمدة عشر سنوات كان يعلم سموه حجم التحدي وكنت عند ثقته وثقة القيادة الحكيمة، وشعرت بالفخر عندما قال لي سموه بعد إحالتي إلى التقاعد (بيضت وجهي يا حجرة) في الطائف واعتبرت كلماته أكبر وسام. وأتذكر كلمة الأمير سعود الثنيان عندما قال لي (أنت طلعت زي الشعرة من العجينة) فقلت لسموه: لم أفهم، فقال: طلعت زي ما دخلت البلدية. هذه كلمة لها معان كبيرة، ومازلت أشعر بالفخر كلما زرت مدينة الطائف فأشاهد المشاريع العملاقة التي تمكنت بفضل الله ودعم ولاة الأمر من تنفيذها كمشروع قناة تصريف السيول بوادي وج وتنفيذ شارع وادي وج الذي يخترق المدينة بطول 13 كيلو مترا والجسور التي اقيمت عليه مثل جسر السداد وخالد بن الوليد وكذلك نفق مستشفى الملك فيصل وجسر باب الحزم ونفق قصر المؤتمرات ونفق شارع الجيش وإزالة خرائب حي السليمانية وإقامة ميادين ونحو ألف حديقة عامة ومتنزهات على طريق الهدا والشفا والسيل الكبير، إضافة إلى حديقة الملك فهد ومشاريع سفلتة معظم شوارع الأحياء ورصفها وإنارتها، كل ذلك وغيره كثير من ما يعلمه الناس جعل الطائف منطقة الاصطياف الأولى ورفع مستوى العمل البلدي فيها من بلدية إلى أمانة.
• في ظل الاهتمام الكبير الذي حظيت به الطائف، لماذا لم تتحول بلديتها إلى أمانة؟
تحدثت في هذه المسألة مع الأمير متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية سابقا وطالبت بصلاحيات أمناء المدن لكي أنجز دون قيود وأتخذ قرارات مباشرة وأحاسب إذا أخطأت، فقال لي: سنعطيك صلاحيات رؤساء البلديات وفرع الوزارة في جدة، فأخبرته بأنها لا تكفي صلاحيات، فوافق على إعطائي صلاحيات الأمناء ولذلك كانوا يقولون (أمانات المدن وبلدية الطائف) و(أمناء المدن ورئيس بلدية الطائف) إلى أن تركت موقعي، والحمد لله الآن الطائف ترقت إلى مستوى أمانة لكن ظلت صلاحيات أمينها كرئيس بلدية على مرتبة وكيل وزارة وليس كأمين على مرتبة نائب وزير.
• ألا تنطبق على خروجك من وظيفة حكومية إلى وظيفة خاصة في ظرف عشرة أيام قاعدة (من قدم السبت يلاقي الأحد)؟
إطلاقا.. فأنا يدي وحواسي عفيفة، وعملي كنائب لمدير عام شركة مكة للإنشاء والتعمير بعد عشرة أيام من تقاعدي تم باتصال منهم ووجدت أنه عرض عمل جيد فلم أتردد في قبوله، خصوصا أنني أحب العمل ولي نظرة خاصة في موضوع التقاعد تحديدا.
• شعور بالإحباط؟
لا.. شعور بضرورة أن يتغير نظام التقاعد في نظرته لمن بلغ الستين، فالسائد سابقا أن من بلغ هذه السن غير قادر على الاستمرار في العمل ويصاب بالتعب والإرهاق وضعف التفكير، ولكن المستوى الصحي والتغذية المناسبة والمستوى المعيشي والتعليمي والثقافي أثر بشكل مباشر على قدرة نسبة كبيرة من الأفراد واستمرار نضوجهم الفكري، وبالتالي استمرت احتياجاتهم ورغبتهم في الحياة والمشاركة كما هي بعد بلوغهم الستين عاما بل وبلوغهم السبعين عاما وأكثر، والراتب التقاعدي الذي يصرف لهم لا تتوفر فيه ميزات تكفي للصرف على احتياجاتهم وما يستجد من حاجة إلى طبيب ودواء وزيارة من يعولهم شرعا للطبيب، وأعتقد أن من حق المتقاعد الاستفادة من التخفيضات الكبرى في العيادات الطبية والمستشفيات وأجور المواصلات العامة والتذاكر وتخفيض الاشتراكات في الأندية، كما ينبغي أن تعطي المستشفيات للمتقاعدين من كبار السن أولوية تسهل عليهم الانتظار الطويل أمام العيادات.
• هناك من طالب بتمديد عمل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات أسوة بما يحدث في الخارج؟
للأسف أننا طالبنا بهذه المسألة كثيرا، فعضو هيئة التدريس يخرج في الستين بكل طاقته وعلمه وحيويته ليعمل في القطاع الخاص ولديه الرغبة في الاستمرار في التدريس، فلو مددت سنوات التقاعد لهذه الفئة إلى ما بعد الخامسة والستين لكان أولى وهناك قطاعات لا يتناسب سن التقاعد مع طبيعتها وحاجة المجتمع لها كالأطباء والمعلمين وأساتذة الجامعات.
• بصفتك مستشارا سابقا لرئاسة الأرصاد في الجوانب البيئية، هل صحيح أن 90 في المائة من القطاعات الحكومية لا تلتزم بالضوابط البيئية لمشاريعها؟
ليس لهذه الدرجة.
• دعني أضعك كطرف محايد في أمانة جدة، وأسألك رأيك في موضوع الخلاف حول تأخر العمل في البنية التحتية لمجاري جدة الذي ظل مصدر خلاف وتقاذف تهم بين الأمانة التي ترأسها المهندس محمد سعيد فارسي ومصلحة المياه والصرف الصحي برئاسة المهندس يحيى كوشك؟
المهندس محمد سعيد فارسي كان رئيسي، كما كان المهندس يحيى كوشك زميلا لي، لكن إذا أعطيت مسؤولية فيجب أن تقوم بها كما يجب، فبلدية جدة لم يكن لها علاقة بموضوع الصرف الصحي نهائيا وعلاقتها مرتبطة بتصريف السيول فقط على مستوى المدينة، والمسألة لا دخل لها بفلان أخطأ أو لم يخطئ بقدر ما هي مسؤوليات أعطيت لكل مسؤول، وكل واحد ينفذ ما عليه من مسؤوليات فقط.
• كأنك تبرئ أمانة جدة من ما يحدث من أخطاء وآخرها كارثة قويزة يادكتور؟
أنا لا أبرر ولا أدافع عن أحد وليس من العيب القول بأن البلديات تتحمل أعباء فوق طاقتها، ويكفي أن تكون علاقة البلديات بالناس تبدأ من لحظة ولادة الإنسان وقد كانت في السابق تعطي شهادة ميلاد ويستمر عملها إلى أن يتوفى الإنسان ويدفن في قبره، فعملها مستمر ويمس معظم شرائح المجتمع. وفي موضوع قويزة تحديدا هناك لجنة تحقق في أسباب الكارثة وكلنا نثق في عدالتها، ولكنني أتذكر عندما كنت مساعدا لأمين مدينة جدة أنني كنت أذهب برفقة المهندس محمد سعيد فارسي ولم يكن فيها سوى بيوت تعد على الأصابع، وتوضيحا للصورة فعندما بني طريق الحرمين جدة عام 1400ه، كأني شعرت أن الهدف منه أن يوقف امتدادات التوسع نحو شرق جدة، ولذلك كانت تلقى النفايات فيها، ولكن مع الطفر الذي عانى منه البعض والطفرة التي استفاد منها البعض الآخر فقد بدأت رحلات النزوح والهجرة من سكان القرى والهجر والمدن الصغيرة على المدن الكبيرة، وكان البناء بتكلفة تشجع الكثيرين على الإقدام عليه وساهم استمراء الخطأ في تمدد العشوائيات فتوسعت جدة شرقا في ظل ضيق المساحات شمالا لوجود المطار وجنوبا لوجود محطة الصرف الصحي في الخمرة.
• توسعت بدون علمكم؟
لم يكن فيها شيء عليه القيمة تلك الفترة، وأنا غادرت موقعي عام 1403ه وكانت اهتماماتي كمساعد للفارسي ونائب له محصورة في صحة البيئة والنظافة والتشجير والأسواق والبنية الأساسية بصفة عامة، ولا أتذكر أنه تم إعطاء تصاريح للبناء في شرق جدة لأحد، ولكي نكون منصفين فالمشكلة ليست في جدة تحديدا فقد واجهت عملية البناء في الأودية وكان أمير الطائف الشيخ صالح السالم وخلفه محافظ الطائف الشيخ فهد بن معمر يساعدانني كثيرا في حل هذا الموضوع، وأضف لذلك أن هناك ثمانية أودية شرق جدة وجميع قرى ومدن الجزيرة العربية بما فيها الساحلية مقامة على أطراف أودية، وهذه مسألة معروفة، فالتجمع الحضري دائما ما يكون على الوديان وذكرت في القرآن (رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم)، ولو أخذت الوديان المنحدرة من جبال السروات وعسير في اتجاه البحر الأحمر لوجدتها وديانا سريعة وليست معتمدة على الأمطار التي تهطل على المنطقة وإنما على ما يهطل على الجبال والسفوح وعندما كنا صغارا كان يأتينا سيل اليمانية فجأة ولم يهطل علينا مطر إطلاقا، ومع توسع المدن يحدث البناء في مواقع نظن أنها ليست خطيرة وننسى الأودية، ويبدو أن الناس نسيت هذه الحقيقة ولم تتذكرها إلا مع كارثة قويزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.