صديقي .. هذا شخص يعود للكتابة لك من المساحة الحرة خارج الأوطان، اليوم شاهدت عجوزا يشبه أبي، فاشتقت لأبي المحارب الذي لم يهزم ولم ينتصر، اشتقت لذاك الأمي الذي لا يجيد القراءة ولا الكتابة، وكان معلمي. مازلت أذكر غرور المثقف والشعور الذي انتابني بعد قراءة آلاف الكتب، وأنني تفوقت على ذاك الأمي، فعلمني أن لا شيء يدمر المثقف إلا غروره، فلا يتعلم من البشر، لأن كل إنسان له حكمته وفلسفته، وأن علي الإنصات لكل شيء، لأتعلم. في ذاك المساء كنت مرافقا معه في المستشفى، وكان كعادته يئن من الداخل فقط، حتى لا يراه أحد ضعيفا، قلت له وبغرور المثقف الذي لديه يقين أنه تفوق على ذاك الأمي معرفة: هل يمكن لنا فهم الحياة، أعني ما الذي توصيني به؟ عقد حاجبيه كعادته وقال: كنت أمشي أنا وصديقي ونحن نحارب في فلسطين عام 1948م، وكنا قد تعودنا أنا وصديقي بأن أمشي على يساره فيما هو يمشي على يميني. في يوم غيرنا عادتنا لأسباب لا نعرفها، فمشيت على يمينه ومشى على يساري، فأخطأتني الرصاصة واستقرت في صدره. هذه التجربة جعلتني أفهم الحياة كثيرا، لهذا لست أدري هل أوصيك أن تغير عادتك وتكف عن الرحيل، فتموت مثل صديق، أم تستمر ولا تغير عادتك، فلا تتاح لك الفرصة مثلي لتنجو؟ وكان يريد أن يقول: الحياة معقدة ولا يمكن لنا فهمها بسهولة، فخفف غرور المثقف لتتعلم. آخر درس علمني إياه كان في ذاك الوقت بغرفة العناية المركزة، وكان قد قال لي الطبيب إن كل شيء ينتهي مع غروب الشمس، وكان الوقت عصرا. تركني الطبيب وممرضاته وحيدا أتابع عمل الآلات الباردة التي راحت تسجل نهاية محارب، حين بدأ النبض يهبط ببطء، خاطبت ملك الموت خائفا: يا سيدي الموت دعه قليلا، لأعد حزنا يليق بذاك المحارب القديم، هلا تركته قليلا؟ وللمرة الأخيرة بدا لي وجه والدي شامخا كعادته، وكأنه يقول لي: يا ولد .. لا تتسول، دعه يقوم بعمله. وأغمض عينيه ومات. التوقيع: ابن المحارب [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة