حسنا فعلت الحكومة اليمنية حين سارعت إلى وقف العمليات العسكرية بعد استجابة الحوثيين لشروطها. وحسنا فعل الرئيس علي صالح بدعوته قادة المعارضة للاجتماع به بعيد الإعلان عن الخطوات العملية لفك الاشتباك. هذه التطورات السريعة تؤكد أن اليمنيين قادرون على مشكلاتهم. لكن هذا أول الطريق فحسب. أمام اليمن مراحل أخرى لا بد من قطعها لطي صفحة الحرب الأليمة. تمرد الحوثيين هو واحد من أشد التحديات التي واجهتها الدولة اليمنية. لكنه ليس الوحيد. فهناك أيضا الأزمة المتفاقمة في الجنوب، فضلا عن التحدي الخطير لتنظيم القاعدة. ظهور تنظيم القاعدة هو الذي لفت أنظار العالم إلى ما يجري في اليمن. لكن من الخطورة بمكان اختصار المشكلة في وجود «القاعدة» أو حتى في التمرد الحوثي، رغم عنفهما وخطورتهما. الطبيعة الدولية لتنظيم القاعدة، وإجماع العالم على محاربته، قد تغري بالتركيز على الجانب الأمني والعسكري من المشكلة. في ظني أن الولاياتالمتحدة وأوربا وربما دول أخرى أيضا قد تميل إلى مساعدة اليمن في جهوده للتخلص من «القاعدة». المعالجة الأمنية قد تنفع على المدى القصير، وقد تجدد الثقة في كفاءة الإدارة السياسية. لكنها لا تكفي أبدا لاستئصال العلل المزمنة والعميقة. وأمامنا تجارب البلدان التي عانت من مشكلات مماثلة، ونشير مثلا إلى باكستان ومن قبلها الجزائر وسيريلانكا وتركيا. هذه الأقطار وغيرها جربت الحلول الأمنية، وحققت ما بدا أنه نجاح باهر، في أول الأمر على الأقل. لكن مع مرور الوقت عادت الأزمة إلى الظهور في ثياب جديدة وتحت عناوين مختلفة، وأحيانا بنفس العناوين القديمة. ولهذا اقتنعت تلك الدول بأن الانتصار العسكري على المتمردين ليس إلا بداية للحل. ومن هنا عادت إلى الحلول السياسية التي تؤمن حل دائما وراسخا. يبدأ الحل السياسي بالإقرار بأن العنف ليس جوهر المشكلة بقدر ما هو تعبير عن مشكلة أعمق، تتمثل في التوزيع العادل للموارد الوطنية، وقد أشير إليها تكرارا في التقارير الوطنية التي تصدرها مؤسسات حكومية أو منظمات أهلية. التوزيع العادل للموارد العامة يختلف عن توزيع الأموال. المال هو أحد الموارد. لكنه قد يستعمل على نحو يزيد من الفروق بين المناطق والطبقات ويزيد من الضغوط المعيشية على الشرائح الأضعف في المجتمع. التوزيع العادل للموارد يعني بصورة محددة عنصرين: الأول هو توزيع الخدمات العامة الأساسية في جميع المناطق بحسب عدد سكانها وحاجاتها الفعلية، وإعطاء نصيب إضافي للمناطق الأكثر فقرا حتى يصل مستوى المعيشة فيها إلى المعدل العام السائد في البلاد ككل. أما الثاني فهو تمثيل جميع المناطق بصورة منصفة في مؤسسات الدولة. هناك على الدوام تباين بين الإمكانات المالية المتوافرة لدى الدولة وبين الحاجات الفعلية لكل منطقة من مناطق البلاد. ولهذا فليس ثمة أمل بأن تغطي الدولة جميع الحاجات في وقت واحد. وليس هناك حل سريع أو سهل لهذه المشكلة. لكن ثمة وسائل للتخفيف منها، أبرزها منح المستثمرين المحليين حوافز للاستثمار في المناطق الأقل حظا، وبسط المسألة أمام المحافل الدولية، سواء صناديق الدعم أو الحكومات المانحة. وأعتقد أن دولا كثيرة ترغب الآن في مساعدة اليمن بعدما اكتشفت حجم الأخطار التي يتعرض لها هذا البلد فيما لو ترك من دون إسناد. عبرت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي عن استعداد أولي لدعم اليمن، وربما سوف نسمع عن دول أخرى في الأيام القليلة المقبلة. في كل الأحوال فإن ما تحتاجه اليمن هو استراتيجية شاملة لامتصاص بؤر التوتر وتصفية مصادره. هذا يعني على وجه التحديد خطة لتوزيع الخدمات العامة بشكل متكافئ، وتمثيل مختلف الشرائح والأطياف والقوى السياسية في مؤسسة الدولة، كي يشعر الجميع أنهم شركاء في المسؤولية عن بلدهم، وشركاء في كل قرار يؤثر على حاضرهم ومستقبلهم. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 109 مسافة ثم الرسالة