نظم جورج فريدمان أفكاره المستقبلية عن مسار العالم والقوى العالمية الناشئة، والأخرى التي ستكون في طي النسيان في كتابه المائة عام القادمة، وأضح فريدمان أن العالم سيشهد ظهور اليابان من جديد كقوة عالمية وظهور فجر جديد لبولندا وتركيا، وأما الدول التي سيخلدها التاريخ كقصص من الماضي فهي كثر وأبرز أسباب ضمور قوتها الكوارث الاقتصادية التي ستواجهها وانخفاض عدد سكانها. أما عنا نحن فمع ما نملك من احتياطات نفطية وغاز طبيعي وتوقعات مرتفعة للطلب العالمي على النفط، فلسنا على قائمة القوى العالمية الناشئة، وهذا يعني أننا بحاجة إلى إصلاحات جذرية في مسار التنمية وبشكل لا يقبل التأجيل. نقطة التغيير المحورية في مسار القطاع العام يجب أن تبدأ من وزارة الاقتصاد والتخطيط، فالوزارة رسمت خطة طويلة الأمد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وثبت عدم نجاحها، فهي على أقل تقدير قدرت عدد العاطلين في سنة 2009 ب 138 ألف عاطل، والحقيقة أن البطالة حتى سنة 2008 شارفت النصف مليون مما يعني أن فجوة التقديرات الاستراتيجية بلغت أكثر من ثلاثة أضعاف المتوقع، ويفسر خلل التقدير بأحد ثلاثة أسباب: إما أن الخطة تفتقر إلى الواقع العملي المنطقي وهذا احتمال وارد، أو أن مخططي الميزانية لايعتمدون على هذه الخطط عند تخصيص ميزانيات القطاع العام وهذه مأساة، والخيار الأخير أن مخططي الميزانية اعتمدوا على الخطة وهذا ما حدث!، وهذا يتطلب يقظة من المسؤولين في وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط لتدارك مقدار الفجوة بين ما يرسم على الورق وما ينفذ. لا بديل عن إصلاح مسار التخطيط الوطني، فاليوم نحن بحاجة إلى الاهتمام بشكل أكبر بمثلث التنمية: وهي التنمية الاقتصادية لتحديد القطاعات الاقتصادية المستهدفة لتنويع مصادر الدخل الوطني وتحديد قيم النمو السنوية المتوقعة في تلك القطاعات، والضلع الثاني للمثلث وهو التنمية الاجتماعية لقياس مقدار الانحراف في سلوك المجتمع بين الأمس واليوم وما يجب أن تكون عليه في المستقبل وكذلك تحديد الموروثات الاجتماعية التي بحاجة إلى تغيير، والضلع الثالث وهو التنمية البشرية لتحديد طبيعة المواطن الذي نريده أن يدير عجلة التنمية بعد عقدين أو ثلاثة عقود من الزمان، وعلى أثرها يتم رسم رؤية وطنية للإصلاح للعشرين أو الثلاثين سنة القادمة. الرؤية الوطنية في التخطيط ليست حديثة، فمملكة البحرين أطلقت رؤية وطنية للسنة 2030 واتخذت «من الريادة الإقليمية إلى الريادة العالمية» شعارا لها، وكانت وثيقة إصلاح جريئة تم في ثناياها تحديد الخلل التنموي ورسم ثلاثة مستويات للإصلاح تعمل بالتكامل، فأول المستويات وهو المستوى المحلي والمتمثل في الحاجة إلى تغيير النموذج الاقتصادي، والمستوى الثاني وهو المستوى الإقليمي والمتمثل في وجود فرص لتحقيق معدلات نمو «غير مسبوقة» ( وهذا يعني أنها تتطلب ابتكارا في أدوات التغيير وسرعة في التنفيذ)، والمستوى العالمي والمتمثل في زيادة مستوى المنافسة التي تتطلب زيادة الإنتاجية والابتكار.. ماليزيا كذلك أطلقت رؤية 2020 وهدفت لأن تكون دولة متقدمة في جميع المجالات بحلول سنة 2020، وأثبتت حتى الآن نجاحا ملموسا وخصوصا بعد وثبتها قبل وثبتها من جديد بعد أزمة النمور الآسيوية والتي كادت أن تعصف بآمال الماليزيين. تهدف الرؤية التنموية إلى تركيز الجهود والتحفيز، فلدينا عدد من مشاريع الإصلاح التي دخلت معترك التنفيذ كالمدن الاقتصادية والتي استقطبت حتى الآن أكثر 90 مليار ريال، ومشروع تطوير منطقة مكة ومشروع تطوير القضاء وغيرها من المشاريع، ولكن ومع أن تلك المشاريع يقودها ألمع قياديي التنمية في البلد، فيمكن أن يعيق حركتها ولو بشكل جزئي المشاريع الأخرى التي بحاجة إلى إصلاح ولم تدخل حيز التنفيذ بعد. يمكن أن تكون رؤيتنا الوطنية لسنة 2040م «أن تكون المملكة العربية السعودية دولة متقدمة في جميع المجالات الاستراتيجية وذات اقتصاد متطور يعتمد على الابتكار وإنتاج المعرفة لاستفادة إنسان المملكة والعالم وبما يحقق حضارة وطنية بحلول سنة 2040». لسنا أقل قدرة مالية أو بشرية أو فكرية من الدول التي رسمت رؤية وطنية وسعت إلى تنفيذها بجرأة وإقدام، فبذور الأمل لدينا نثرها مهندس الإصلاح وملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين في حديقة الوطن وبدأنا نقطف ثمارها، وجعلتنا جميعا متحفزين لدعم مسيرة الإصلاح لرسم مستقبل أفضل للوطن على خارطة الريادة العالمية. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 238 مسافة ثم الرسالة