قدر لي قبل بضع سنوات أن أتولى تدريس طلاب شذرات من حقوق الإنسان في صيغة قصص آيلة إلى التراث الإنساني.. ولسبب أو لآخر؛ هناك أربع شخصيات عالمية لا يمكنك تجاوزها إذا شرعت في إلقاء الضوء على حقوق الإنسان. لا يمكنك تجاوز المهاتما غاندي -وهو الحكيم الهندي- القادم بحقيبة محاماته من جنوب أفريقيا لتخليص الشارع الهندي من الاستنزاف الإنجليزي، لكن شخصا مثل نيلسون مانديلا لم يكن سوى حجر زاوية في ذاكرة حقوق الإنسان. صحيح، أنه سدد إلى الحكومة البيضاء ضربة قاضية، وبسقوط البيض في أفريقيا، كان الدستور الاجتماعي قد تغير في أمريكا الآيلة روحا وبملء معتقداتها التجارية تاريخيا، إلى استثمار النخاسة حتى آخر قطرة دم في جسد الأفريقي الممتلئ ثقوبا إلى العظم. إذا نظرنا إلى تداعيات التاريخ الأمريكي لأزمنة ربما تعود إلى حوالى عام 1850م، فسوف نجد أن حقوق الإنسان إلى جانب حقوق الحيوان وحقوق البيئة، كانت موجودة في ذاكرة أمريكا، وكانت هناك كتب وأفكار وتظاهرات خصبة قادها ديفيد هنري ثورو قبل أن يهتدي غاندي بقرن زمان إلى تفعيل أدبيات العصيان المدني في الهند، وبأثر ذلك يدفع غاندي ثمن نجاحه (تطبيقا) بالسقوط اغتيالا إلى القاع..!! لكن من الواضح أن غاندي أو غيره لم يتوقف كثيرا عند هنري ثورو، فقد جردوا جميعا بالرجل وانتحلوا حقوقه عن العصيان المدني؛ لأن حقوق الإنسان في حد ذاتها كقيمة لم تكن بأكثر من ثمرة لأدبيات العصيان المدني، كما أن مفكري أمريكا يستهلون عصر حقوق الإنسان على نحو درامي بعبارة «أنا عندي حلم»، إنها العبارة الآيلة إلى أدبيات الخطاب السياسي لدى مارتن كنج، إنهم لم يكونوا يحبون مارتن وقتئذ، ولربما نوعا ما إلى الآن.. ولكنهم فيما لو أكدوا أن هنري ثورو هو الأب الروحي للعصيان الأمريكي مدنيا، فقطعا ربما يوجهون للفكر الأمريكي اتهاما؛ بكونه اعتاد لأكثر من قرن زمان على الدوران بغير هداية حول نفسه!! والواقع أن كينج كان ملكا حقيقيا من غير تاج ولا صولجان، فقد أثمرت أفكاره ومعتقداته الإنسانية عهدا جديدا للحريات للمساواة والعدل، ولاحقا أفرزت توابع العبارة الآيلة إلى مارتن كنج، سلسلة من التغييرات الجريئة في علاقة العبيد بالسادة، وهكذا فقد تراجع عصر السادة داخل أمريكا وخارجها، ودفع مارتن حياته ثمنا للحلم الذي اهتدى إليه وعبر عنه ذات مرة بالصوت والصورة قائلا «أنا عندي حلم»!! إنها الجملة الفعلية الأقل ازدحاما بالكلمات والأكثر تأثيرا في العالم، بحسب نتاج النخب الأمريكي عن الحريات وحقوق الإنسان. لكن الحلم الامريكي الآيل إلى الحقوق الفكرية لمارتن نفسه وربما لورثته من بعد.. لا يزال ساري المفعول، وهو قابل للتعبئة ولكن على نحو يتسم بجرأة أكثر مع تجاوز الصدام وبتضحية أقل كلفة، لقد كان هذا الحلم يسكن ذاكرة أوباما منذ حوالي أربعة عشر عاما، وربما كان وصول أوباما إلى سدة الحكم في البيت الأبيض هو من بين تداعيات هذا الموروث الذي عبر عنه مارتن ذات مرة بجرأة ومخاوف وصدامات وخسائر أكثر!! للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 265 مسافة ثم الرسالة