طالب الخبير الأول في مجمع الفقه الإسلامي في جدة والأستاذ في جامعة محمد الخامس في الرباط سابقا الدكتور أحمد الريسوني بملء الساحة بالمفتين الأكفاء ذوي المصداقية العلمية والخلقية، سواء كان ذلك بصفة فردية، أو من خلال هيئات ومؤسسات إفتائية لمواجهة الفتاوى الشاذة. وقال ل «عكاظ»: «مجامعنا الفقهية تنقصها المصداقية والاستقلالية، والمبادرة والفاعلية، والقرب والقدرة التواصلية مما يجعلها غير قادرة على أداء هذا الدور»، وأضاف: «إذا أردنا للمجامع الفقهية الحالية أن يكون لها شأن ودور حقيقي في القضاء على الفتاوى الشاذة، فلابد من سد النقائص والثغرات المشار إليها، وإلا فستبقى مجرد منتديات للفسحة والتعارف والنقاش العائلي»، مشددا على أن المسلمين يحتاجون اليوم في أحوالهم الذاتية والظروف الدولية السائدة، إلى الفقه الواقعي، والفقه الاستقلالي، والفقه الاستعجالي، فهذا هو الفقه الذي يجد له مكانا واستجابة. وأوضح الريسوني أن الاختلاف الفقهي والفكري والمذهبي، ليس بالشيء الجديد في حياتنا الإسلامية، وليس أكثر من ذي قبل، أو أسوأ منه، مبينا أن هذا ليس خاصا بالمسلمين. وأفاد أن الجديد في ذلك يتمثل في أمرين: الأول هو أن وسائل الإعلام والنشر والتواصل، أصبحت كالريح المرسلة، بل سرعتها اليوم أشد من سرعة الريح، وأعاصيرها أعنف من أعاصير الريح، لافتا إلى أن وسائل الإعلام والنشر والاتصال الحديثة كشفت وعرت ونقلت وعممت ما كان خفيا أو منزويا أو محليا أو خاصا، مفيدا أن الفتوى كانت لا تتجاوز حلقة الشيخ، ولا مجموعة قليلة من أتباع الجماعة أو الطائفة، أو القرية أو الحي، أولا بعض المهتمين في القطر الواحد على أوسع تقدير ، والآن كل شيء يمكنه أن يصبح عالميا في بضع ساعات، أو بضعة أيام، إذا أراد أصحابه أو خصومه ذلك، أو أراده الإعلام والصحافة. مشيرا إلى أن وسائل الإعلام اليوم تصنع «مفتين ومفكرين»، لم يكن حتى أبناؤهم وزملاؤهم يعرفون أنهم كذلك!!. وبين الريسوني أن الأمر الثاني هو أن الفتوى الدينية، أصبح ينظر إليها وتتلقى وتتلقف بحساسية مفرطة، فالفتاوى تزايدت فعلا، ولكن الذي تزايد أكثر هو الإحساس بالفتوى، هو الحساسية تجاه الفتوى والمفتين، واستثقال الفتوى والتضايق منها، فهذا أيضا يضخم «المشكلة»، بل يصنعها ويعطيها حجما غير طبيعي، وكل هذه الاعتبارات تفرض علينا جميعا، وعلى أهل الفقه والإفتاء خصوصا، ضرورة العناية بتنظيم الإفتاء وضبطه وترشيده، ليس لأجل القضاء على الفتاوى الشاذة، ولكن للمحافظة على رسالة الفتوى ومقامها، ولتجنيبها ما يحيط بها ويخترقها من تحديات ومنزلقات.