أديت صلاة الجمعة في أقصى الجنوب حيث (بلال) خطيب وإمام المسجد .. أذهب إليه في أقصى الجنوب وأنا أسكن في أقصى الشمال لأن هذا الرجل يجمع بين العبقرية في العلم والبساطة في تناول أمور الحياة .. معادلة صعبة قليل من الأئمة وفقوا في حلها .. الكلمات تتدفق من فمه كأن سدا انهار ليطلق طوفانا لايقاوم .. لايتحدث بصوت عال باك ولاعروق نافرة وعيون جاحظة .. مرح بسيط له ابتسامة مشجعة ونظرة راضية فيها صفاء نادر ورقة تجعلك تخرج من خطبته حاملا مشاعر بأن الوجود فيه خير كأنه يضع في ( عروة) جاكيت كل منا زهرة في كل جمعة .. يترك نفسه على سجيته عندما يتكلم .. لا يقرأ من صحيفة أمامه يغرق في تفاصيل الحياة ويصعد بك إلى سطح مابعد الحياة، كلامه يجعلك تفكر .. تسبح كصندل يمخر فوق سطح هادئ تاركا وراءه ذيلا أبيض وأمواجا تتسع إلى أن تحتك بشاطئ العقل .. دائما في كلامه ضوء منبعث من الداخل يضفي بهجة على الحياة ويعطيها معنى.. يجيد التعبير الروحاني الحر ويصل بك إلى نشوة ذهنية، يحلق بك في حالة من انعدام الوزن .. خطبته عملية تنقيب جريئة وممتعة في شؤون الحياة والدين يمزج الخواطر بالصور والقصص المبتكرة، يصل بقصصه إلى أبعد مكنوناتها بسردها ويتركها تغزو الأركان الخفية في النفس .. كنت أستمع إليه وأنا أجلس القرفصاء مفترشا الأرض أسترجع لكم قصته عن فائدة قراءة القرآن كفيلم أبطئ سرعته حتى أستعيد لكم مقطعا لا زال يلمع في ذهني مثل عود ثقاب في ظلمة الليل .. يقول كان هناك رجل مسلم أمريكي يعيش في مزرعة في جبال كنتاكي الشرقية مع حفيده الصغير وكان الجد يستيقظ كل صباح ويجلس إلى المائدة ويقرأ القرآن وكان الحفيد يحاكي جده في كل شيء ويقلده في كل حركة يفعلها .. وذات يوم سأل الحفيد الجد قائلا: ياجدي إنني أحاول قراءة القرآن مثلما تفعل ولكنني كلما حاولت أن أقرأ القرآن أجد أني لا أفهم كثيرا منه وإذا فهمت منه شيئا فإنني أنسى ما فهمته بمجرد أن أغلق المصحف فما فائدة قراءة القرآن إذن ؟؟.. كان الجد يضع بعض الفحم في المدفأة .. التفت إلى حفيده بهدوء وترك مابيده وقال له .. خذ سلة الفحم هذه واذهب بها إلى النهر ثم آتيني بها مليئة بالماء !! فعل الحفيد ماطلبه منه جده ولكنه فوجئ بالماء كله يتسرب من السلة قبل أن يصل إلى البيت .. ابتسم الجد قائلا له: ينبغي عليك أن تسرع إلى البيت في المرة القادمة .. فعاود الحفيد الكرة مسرعا للبيت ولكن الماء تسرب أيضا في هذه المرة .. غضب الحفيد وقال لجده إنه من المستحيل أن آتيك بسلة ماء سأذهب وأحضر الدلو لكي أحضر لك دلوا من الماء أجابه الجد: لا أنا لم أطلب منك دلوا من الماء أنا طلبت سلة من الماء يبدو أنك لم تبذل جهدا كافيا.. ثم خرج الجد مع حفيده ليشرف بنفسه على تنفيذ العملية .. ملأ السلة بالماء .. كان الحفيد موقنا بأنها عملية مستحيلة ولكنه أراد أن يري جده بالتجربة العملية فملأ السلة ماء ثم جرى بأقصى سرعة إلى جده ليريه قال الحفيد لجده وهو يلهث أرأيت لا فائدة .. فنظر الجد إليه قائلا: أتظن أنه لا فائدة فيما فعلت ؟ تعال وانظر إلى السلة فنظر الحفيد إلى السلة وأدرك للمرة الأولى أنها أصبحت مختلفة .. لقد تحولت السلة المتسخة بسبب الفحم إلى سلة نظيفة تماما من الخارج والداخل بفعل الماء .. قصة جميلة مفادها عميق .. أيمكن للإنسان أن يغادر المسجد دون أن يفكر في مغزاها !!. بوكس: للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة