التاريخ! وما أدراك ما التاريخ! حين نقرأ في بعض كتب التاريخ حول الأحداث الماضية في الدولة الإسلامية، تمر بنا أحيانا لحظات، نظن أننا نقرأ شيئا من قصص الخيال، حيث تبدو بعض الأحداث غير مقبولة لنا، إما لاختلاف المفاهيم في هذا العصر، وإما لفظاعة ما تصفه من وقائع تبدو منافية للإنسانية والخلق الإسلامي، وإما لكونها أخبارا مشوبة بكثير من الكذب والافتراء! من الأخبار التي تضمها كتب التاريخ بين دفتيها، أخبار السجون السياسية ومن فيها من المساجين، وهي أخبار كثيرة تدل على كثرة الوقائع في هذا الشأن. لكن ما استوقفني فيها ثلاثة أمور بدت لي تستحق الذكر: أحدها أن عقوبة السجن في الدولة الإسلامية، حسب ما نستشف من هذه الأخبار، لم تكن توقع بالسجين إثر حكم قضائي يصدر ضده وينص على سجنه لمدة زمنية محددة، وإنما كان السجين يلقى في السجن بمجرد غضب صاحب السلطة عليه، ويبقى هناك حتى يعفو عنه، أو يتغير صاحب السلطة الذي أمر بسجنه فيخرج من السجن، أو يموت أو يقتل. والأمر الثاني، هو أن المساجين في فترة من الفترات أو في حالة من الحالات، لم يكونوا ليطعموا، وإنما يتركون يستجدون طعامهم من الناس، مثلا حسب رواية المقريزي في الخطط، كان المساجين في مصر يخرجون برفقة الحراس وهم مقيدون بالسلاسل، فيجوبون الطرقات يستجدون الناس لإطعامهم لفرط ما هم عليه من الجوع والحرمان، ومتى اجتمع لديهم شيء من المال أخذه السجانون منهم وتركوا لهم ما يملأ بطونهم فقط. أما الأمر الثالث، فهو ما تشير إليه هذه الكتب من كثرة أعداد النساء السجينات! مثلا يذكر المسعودي أن الحجاج أمر بإنشاء سجن واسع كان يودع فيه النساء والرجال، وعند وفاته وجد في سجنه من النساء (ثلاثون ألف) امرأة. إن صدق هذا الخبر، فإننا نستنتج منه كثرة أعداد النساء المشتغلات بالسياسة واللاتي كان لهن نشاط في هذا المجال أغضب الحجاج ودفع به إلى زجهن في السجن. والحديث عن السجون يستدعي الحديث عن جوانب كثيرة تتعلق بها، مثل مبانيها ونوع المعاملة التي يتلقاها السجين وما شابه ذلك، لكن لاهتمامي بكل ما يتعلق بالنساء، فإني توقفت عند شيوع استعمال المرأة مشرفة على سجون الرجال، ويبدو أنه كان أمرا معتادا أن يوكل أمر الإشراف على السجين وحراسته إلى امرأة، فالخليفة المقتدر كان موكلا قهرمانة عنده لتشرف على من يسجنهم، ويروى التنوخي في (الفرج بعد الشدة) أن أحد المساجين كان تحت عهدة امرأة يقال لها ناز بانو، وقد ظلت تشرف عليه سنين طويلة ثم حدث أن جاء مندوب من صاحب السلطة الذي أمر بسجنه، يريد قتله، فحالت تلك المرأة بينه وبين الوصول إلى السجين وطلبت منه أن يسلمها كتابا يتضمن الأمر بقتله، فرجع. هذه القصة، تمثل واحدا من نماذج القوة التي اتصفت بها النساء في تاريخ المسلمين والتي طمرها المؤرخون بإهمالهم لها وعدم تسليطهم الضوء عليها. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة