لم تكف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عن نسف المساكن الجديدة في قرى النقب غير المعترف بها وتدميرها، بحجة أنها بنيت بلا ترخيص على أملاك الدولة، وفي نهاية أغسطس (آب) الماضي دمرت الحكومة الإسرائيلية قرية طويل أبو جرول بأكملها. إنها كارثة جديدة يمكن المطالبة بإدراجها في جرائم «التطهير العرقي». ويتعرض سكان المنطقة الجنوبية من فلسطين إلى الطرد والتشريد، كما تعرض غيرهم من سكان المناطق الأخرى، فإقامة دولة جديدة بسكان جدد يحتم التخلص من سكان البلاد الأصليين، وفق «منطق» الاحتلال والقوة. هكذا تم تشريد ما يقرب من نحو مائة ألف فلسطيني من سكان لواء بئر السبع الجنوبي، أي من منطقة النقب، ولجأ معظمهم إلى الأردن، بينما توجه غيرهم إلى غزة ومنطقتها، أو إلى سيناء في مصر تقدر مصادر أن عددهم في الأردن يزيد على نصف مليون مواطن . وشهدت سنوات الخمسينيات الأولى استكمالا للمخططات الإسرائيلية في تهجير العدد الأكبر من السكان الفلسطينيين، كما حدث في منطقتي العوجا ووادي عربة، ومن مدينة المجدل عسقلان حاليا على الساحل، مع ذلك بقي في النقب 12 ألف فلسطيني نتيجة عوامل معقدة ومتعددة وخارجة في الأساس عن إرادة الجيش الإسرائيلي منعت ذلك الجيش من استكمال جريمة طرد السكان جميعهم في عام 1948 والأعوام التي تلت. ولأن الاستيلاء على الأرض هو «أم» الأهداف من الغزوة الصهيونية لفلسطين، لذا بدأ التحايل للاستيلاء على الأراضي وتخليصها من أيدي مالكيها بدو النقب برضاهم أو بعدم رضاهم، مثل قانون «مصادرة أملاك الغائبين»، حتى لو كان الغائب في زيارة إلى أقاربه في قرية قريبة عندما تم الإحصاء، أو مصادرة الأراضي لمصلحة «الجمهور» أو «مصادرة الأراضي غير المستغلة» أو مصادرتها لدواع أمنية، أو لإقامة ثكنات للجيش (ومطارات) أو لإقامة معسكرات للتدريب، وغير ذلك من أسباب. على رغم ذلك، فإن مساحات من الأراضي اعتبرتها السلطات الإسرائيلية كثيرة بقيت من ضمن أملاك المواطنين الفلسطينيين، لذا أصدرت «قانونا» اعتبر الأراضي غير المسجلة، ملكا للدولة واعتبر أصحابها «غزاة» لها يجب طردهم منها بالقوة.