يرسم التقرير العربي الثاني للتنمية الثقافية الذي تصدره مؤسسة الفكر سنويا خارطة طريق لتحقيق مشروع التقدم الثقافي العربي. ويضع صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي لتحقيق هذا التقدم أربعة شروط: «أن ينطلق من مشروع هدفه التنوير، ومضمونه الثقافة والمعرفة، ومنهجه العلم، ووسيلته قراءة موضوعية معمقة لواقع الحاضر من أجل البناء عليها في استشراف المستقبل». ويضيف سموه أن هذا التقدم المنشود هو حق، قائلا: «إن حلم التقدم الذي يراود كل إنسان عربي هو حق مشروع لأمة شاركت بفاعلية في صنع الحضارة الإنسانية». التقرير الذي صدر أخيرا عن مؤسسة الفكر العربي شمل خمسة ملفات لأهم المقومات الأساسية للتنمية الثقافية في حوالى 20 دولة عربية، وضع المملكة في المركز الأول عربيا والثامن عالميا في الإنفاق على التعليم، السابع عالميا في مجال الإبداع. وحاول التقرير الذي يمثل «المرجعية البحثية في الحاضر والمستقبل ويتابع حركة التنمية الثقافية في العالم العربي» أن يقدم إجابة عن عدد من الأسئلة المهمة في خمسة مجالات (ملفات) هي المعلوماتية والتعليم والإعلام والإبداع والحصاد الفكري السنوي. وركز التقرير في مجال المعلوماتية على أوضاع العالم العربي طبقا لمؤشرات مجتمع المعلومات في ظل الاستراتيجيات الحكومية الحالية، وطبقا لمؤشرات البيئة الإبداعية في مجالات البحث العلمي والتعليم وصادرات التقنية، والدور المحتمل للمعلوماتية في دعم التنمية الثقافية مستعرضا ملامح الرؤية المستقبلية في هذا الخصوص. ورصد التقرير تفاوتا في موازنة الجامعات العربية بين دول عربية وأخرى، مؤكدا أن نسبة مخصصات البحوث إلى الموازنة فيها تبدو متدنية ،كما ركز في مجال التعليم على موضوع الوقفيات الجامعية التي أسهمت في الدول الغربية في تحقيق أعلى مستويات الجودة التعليمية، وطرح التقرير تساؤلا عن كيفية تحفيز الدور الاجتماعي والثقافي لرجال الأعمال العرب انطلاقا من مفهوم المسؤولية الاجتماعية لرأس المال، وكيف أن مصطلح الوقف المعروف في الثقافات الأجنبية يستمد مصدره التاريخي من اللغة العربية فيما يبدو دور الوقفيات التعليمية في العالم العربي أقل بكثير من دورها في المجتمعات الغربية. وعلى الصعيد الإعلامي تناول التقرير ما يتعلق بمضمون الخطاب الثقافي في الإعلام المكتوب والمرئي وماهي القيم التي يدعو لها هذا الخطاب الثقافي العربي؟ وكيف واجه هذا الخطاب بعض الإشكاليات العربية مثل قضية العلاقة بالآخر السياسي والديني أو علاقة المثقف في السلطة والمال. وتناول التقرير على الصعيد الإبداعي فضاء الإبداع العربي حول ملامح وهموم الرواية العربية خلال عام 2008م وماهي أهم الروايات العربية الصادرة التي تميز بها العام الماضي، فكان الملف الأدبي ساحة للتساؤل حول ما اتسمت به الكثير من الروايات العربية من محاولة استعادة الماضي وكيف تواجه هذه الرواية سؤالها القديم والحديث حول العلاقة بين الشرق والغرب، فيما لم يغب عن الإبداعي تساؤلات الشعر سواء حول شعر الفصحى أم شعر العامية والنبطية ولم يخل من تساؤل حول قضية ترجمة الأعمال الأدبية العربية. ورصد التقرير ما جاء في الإبداع السينمائي والدرامي وتلمس حال المهرجانات السينمائية العربية وغلبة السينما الهزلية في عام 2008م على السينما الاجتماعية، كما رصد التقرير من خلال بحثه في الإبداع المسرحي في الدول العربية نقاط ضعف البنى الثقافية الإدارية والمالية. وتناول التقرير في آخر ملفاته موضوع «الحصاد الفكري السنوي» مستعرضا اهتمامات العقل العربي خلال العام 2008م سواء من حيث القضايا المثارة أم أولوياتها التي كان أبرزها الجدل حول ممارسة الدور الإقليمي العربي وقضايا التنمية والتحول الاقتصادي وتداول المعلومات. وأثار التقرير قضية الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية وما تتسم به من التركيز على اللغة الإنجليزية والفرنسية دون اللغات الأخرى، وهو تساؤل يتجاوز الجوانب الفنية والتجارية في عملية الترجمة؛ ليمس قضية حوار الثقافات وما توحيه من ضرورة الانفتاح على ثقافات العالم.