أعرف البعض من بائعي الكبتاجون. أعرف صغارهم فقط أما كبارهم فلم أعرفهم بعد، ربما لأنهم لا يجاهرون بالبيع كصغارهم. هؤلاء تبدو سيماهم في وجوههم، وكلمتين من أحدهم ستكشف كم يوما مكث بلا نوم وكم حبة ابتلعها. خلال سفر سابق على طريق الساحل صادفت أحدهم في مطعم متهالك. لم أكن أود الحديث معه. كنا لوحدنا على طرفي الجلسة. على عنقه شماغ أحمر «مغبر» يمسح به عرقه. سألني وأنا أقرأ الصحيفة منتظرا وجبة العشاء: فيها أخبار عن وظائف؟ وظائف إيش مثلا، قال: أي وظائف.. معلم مهندس دكتور.. أي شيء! طويت الصحيفة سريعا ومعها حديث الوظائف وشعرت أنني أمام كائن حي بصفات غريبة. سيماه في وجهه. كنت أنتظر فقط البينة. شهادته رابع ابتدائي. عمره 29 ونصف. سيارته جيب متوسط العمر، هكذا أخبرني. أسنانه العلوية بنصف عددها، ولم ألمح السفلية جيدا. أطرافه العلوية تتحرك مئة مرة كل دقيقة. لا يركز في حديث واحد. يأخذني سريعا من بطالته إلى مشكلته مع أخته التي تزوجت شخصا لا يريده هو، معرجا على مميزات سيارات الدفع الرباعي وعيوب غيرها. أمسكته قليلا في حديث الوظيفة وبصعوبة. قال: أوكلت مهمة البحث عن عمل لزوج أختي الأخرى. هو لا يعرف كيف يطرق الأبواب بحثا عن وظيفة أو لا يريد. 15 عاما ينتظر زوج أخته أن يجد له وظيفة. أصدقاء النهار والليل على نفس الشاكلة. سألته عنهم، فقال: هم يبحثون أيضا ولكن على مهلهم.. وضعهم متيسر. سألته كيف متيسر، قال: «يترزقون» بالبيع.. يبيعون «أبيض» يعني حبوب يا أخي، بس لا تكون من المكافحة! وبرأ نفسه من بيعها. يقول أنه ترك بيعها منذ نصف عام، ويكتفي الآن باستخدامها. تحاورت معه حول البيع: «نحن مصرفون فقط، تأتينا كمية بسيطة من شخص محدد ونبيعها ونأخذ نسبتنا، أو نشتريها بسعر ونبيعها بربح قليل، في البداية نشعر بخوف بسيط وإذا مرت الأيام يزداد الخوف، حتى نظن أن عامل النظافة سيمسك بنا»، وأضاف: «بأقلك على شيء.. هي فيها فلوس ولكن ليست كثيرة جدا، لكن «قلقها وخوفها» يخليك تكرهها، تصور إذا دق باب البيت أتخيلها مكافحة المخدرات». طلبته واحدة بسعر الجملة، لكنه رفض. لا يريد إفسادي. عاد كطفل في نهاية حديثه يحكي عن ندمه وكرهه لحياته وأيامه. الحياة التي يريدها لم تكن هذه أبدا كما يقول. كان يتخيل أن يكون أي شيء عدا بائع مخدرات. تورط في بيعها لجهله، ولجهل من حوله وارتكازهم على قانون «نفسي نفسي». هذا وغيره عشرات متورطون بجهلهم في مجتمعات اختلطت فيها قوانين الحياة اليومية حتى صار «بيع المخدرات» رجولة. هؤلاء جهل مركب في مجتمع متعلم أناني، كل طرف يلقي بذنبه على الآخر ولاحقا يضيع الجميع. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 245 مسافة ثم الرسالة