من المشكلات التي يعاني منها التعليم في بلادنا نمر بمرحلة تغير كبيرة في المفاهيم الثقافية العامة، ومرحلة التغير هي عادة مرتبطة تتسم بكثير من التناقصات والمتضادات، وذلك حين ينشط الصراع والتصادم بين الطارئ الجديد والتقليدي الموروث، ولأن مجال التعليم هو أحد تلك المجالات التي تمر بمرحلة تغير وانتقال يتصادم فيها القديم مع الحديث، فإن التعليم واقع بين مطرقة القديم وسندان الحديث، فالتعليم حين يتخذ خطوات تربوية متقدمة، ينتج عنها مخرجات مخالفة للمألوف، ولذلك سرعان ما يجد من يرفع صوته شاكيا متذمرا من ظهور نماذج سلوكية جديدة غير مألوفة. والناس في مواقفهم من التغير الاجتماعي والثقافي الذي يعيشونه، يعكسون صورا واضحة للتناقض، ومنها موقفهم من التعليم نفسه، فبينما هم يكادون يجمعون على الرغبة في أن يتلقى أولادهم تعليما يخاطب عقولهم، وينمي شخصياتهم ويربيهم على احترام ذواتهم والثقة فيها، فيكون لهم تفكير حر ورأي مستقل، فلا ينجرفون ضحايا خلف كل من يصل إليهم ليسوق أفكاره عندهم تجدهم في الوقت نفسه، يريدون من أولئك الأولاد أن يكونوا في تفكيرهم وسلوكهم نسخة مماثلة من جيل مضى بما كان فيه من صور الاستكانة والخضوع والخوف والاتباع والعجز عن تكوين رأي مستقل أو اتخاذ قرار حر. فالناس ينسون أن مدخلات كل تربية لها مخرجات مختلفة، وإن هم أرادوا لأولادهم تعليما يخاطب التفكير، وينمي مهارات المحاجة والاستدلال، ويدرب على الاستقلال بالرأي، لزمهم أن يقبلوا بمخرجات ذلك التعليم التي يستبعد أن يكون بينها من يسمع ويطيع ويضحي من الظلم لتلك المخرجات التربوية مقارنتها بالجيل الماضي، وإذا كنا مازلنا نرى في استقلال الطالب أو الابن بالرأي، تمردا، وعدم اتباعه لكل ما نقول عصيانا، فإن علينا أن نعود إلى النموذج التربوي القديم لنحصل على المخرجات الوديعة المسالمة التي كان يخرجها لنا، فمن المستحيل أن تجمع بين تنشيط الفكر ودعم الاتباع، وبين احترام الذات والخضوع، وبين الإقبال على العمل وتقييد الحركة. ثقافة المجتمع مازالت تطالب الأولاد والطلاب أن يكونوا تابعين لما يقوله ويفعله الكبار آباء ومعلمون، وتتوقع منهم عدم المجادلة وعدم المخالفة، كما تنتظر منهم الظهور بالمظهر السلبي المهيمن عليه الصمت والخضوع، وهي سمات وخصائص تنبت في الشخصية مع التربية التقليدية القائمة على القمع والتخويف، وتختفي عند تطبيق التربية الحديثة التي تغيب عنها الطبقية المعرفية، فلا يكون فيها الصوات دائما، لدى الوالد أو المعلم أو الكتاب، وإنما هو لدى من يكتشف مكانه ويشير إليه بالدليل. من كان يرغب في تربية تخاطب العقل وتشجع الابتكار والإبداع، لزمه أن يتحمل تبعاتها فلا يغضب ولا يشكو إن مارس الطلاب أو الاولاد حرية في الحركة نحو اتجاه مخالف لما يريد، أو مضوا في تجاذب حديث لا يعجبه، على الناس أن يقرروا ماذا يريدون؟ هل هم يريدون أن يكونوا في تربيتهم تسلطيين، أم ديمقراطيين؟ ولكن قبل ذلك عليهم أن يعرفوا جيدا أنهم لا يمكن أن يطبقوا تربية ديمقراطية ويجنون ثمارا تقليدية، والعكس أيضا صحيح. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة