استعاد الناقد سعد البازعي تجربته الشخصية في التأليف حول اليهود في كتابه «المكون اليهودي في الحضارة الغربية» الصادر عن المركز الثقافي العربي في عام 2007. وتوجه عضو مجلس الشورى رئيس نادي الرياض الأدبي الدكتور البازعي، للحاضرات والحاضرين في محاضرته «قلق التأليف والكتابة عن اليهود» ضمن الأنشطة المصاحبة لمعرض بيروت الدولي للكتاب أخيرا، بالقول: «كانت تجربة غنية بكل المقاييس، ولست أقصد من ذلك أنها غنية لقارئها وإنما كانت كذلك لمؤلفها ليس إلا. وأشير بتعبير آخر إلى تجربتي الشخصية بوصفي مؤلفا كيف قاربت الموضوع والمنهج الذي اتبعته في تلك المقاربة والمعركة التي خضتها مع بعض تفاصيل البحث، ثم ما خرجت به بعد ذلك وما انتهى إليه الكتاب من مواجهات». وأضاف البازعي الذي تحتفي بمسيرته النقدية اثنينية عبدالمقصود خوجة مساء اليوم في مقرها في جدة: «لقد كانت تلك التجربة محرضا على التفكير بعملية التأليف من الزوايا التي أشرت إليها أعلاه، لاسيما ما ليس مألوفا أو متداولا منها كان التأليف بالدلالة الأولى التي أشرت إليها، أي جمع العناصر غير المتجانسة، حاضرا بطبيعة الحال، ولكن حضوره جاء بقدر من الحدة لم أعرفه من مؤلفات سابقة، فالسؤال الذي وجدته قائما أساسيا تمثل في إمكانية ربط بعض العناصر المشكوك في ترابطها أو التي يرى البعض عدم مشروعية الربط بينها، وأقصد في ذلك الفلسفات أو النظريات أو الأفكار أو الأعمال الإبداعية لكتاب ومفكرين وفنانين مختلفين يرى البعض صعوبة ربط بعضها ببعض، وذلك من خلال المهاد الأساسي للكتاب وهو الانتماء اليهودي. هل نظريات فرويد في علم النفس أو أطروحات ماركس في الاقتصاد السياسي أو أعمال الرسام الروسي شاغال متصلة بكون أي منهم يهوديا؟ وهل اليهودية في هذه الحالة انتماء ديني أم عرقي أم اثني ثقافي؟». وأضاف البازعي في محاضرته البيروتية: «بالنسبة لي كان طرح الموضوع من الزاوية المشار إليها ممكنا نظريا، لكن مواجهته على المستوى العملي ومن خلال التفاصيل الكثيرة لم يكن بالسهولة الظاهرة. ومن هنا نشأ التحدي الثالث، أي تقريب الموضوع إلى المؤلف نفسه من حيث هو في نهاية المطاف يحمل ذات الإرث الفكري والنفسي المعادي للمكون اليهودي. والتقريب هنا يعني تجاوز العقبات النفسية التي لا يعرفها من يؤلف ضمن ثقافته الخاصة أي يتناول عملا أدبيا عربيا مثلا أو قضية تاريخية متفقا على أهميتها وكيفية تناولها، أي التأليف بغرض توضيح مسألة علمية أو الدفاع عن أطروحة غير صدامية أصلا. فالسعي إلى فهم موقع اليهود ضمن التشكيل الحضاري الغربي أوقفني من ناحية على مسألة مهمة على المستوى الفكري العام، ولم يكن في التعرف عليها وتناولها أية مشكلة سوى ما قد يكتنف ذلك من صعوبات فكرية بحتة. المشكلة كانت في التعرف على منجزات علمية وفكرية وإبداعية تبعث على الكثير من الإعجاب ثم تناولها على نحو منصف. كان تقبل ذلك تحديا يتكرر في كل فصل بل مع كل كاتب أو فكرة أو عمل أو نظرية ابتداء بمنجز سبينوزا الفلسفي في القرن السابع عشر وانتهاء بمنجز هارولد بلوم النقدي في القرن الحادي والعشرين». وختم البازعي: «دراستي لليهود أو ما أفضل تسميته (الجماعات اليهودية) اتباعا لمقترح عبدالوهاب المسيري في هذا الباب، استندت على مبررين كبيرين، الأول كان الحاجة العربية الإسلامية لمعرفة تلك الجماعات ودورها في تشكيل الحضارة، والثاني تسليط الضوء على وضع الأقليات ضمن التشكيلات الحضارية الكبرى».