هيمنت أحداث كارثة جدة على الجلسة الأولى من اللقاء الحواري الفكري «واقع الخطاب الثقافي وآفاقه المستقبلية» في الأحساء، حيث تطرق عدد من المتحدثين في جلسة «قراءة المشهد الراهن للخطاب الثقافي السعودي ورصد اتجاهاته» إلى هذه الكارثة، فانتقد الدكتور عبد الرحمن الحبيب ما «اتسمت به المقالات التي كتبت عن الكارثة من اتكاء على غنائية رومانسية حزينة تستثير المشاعر دون أن تتسم بالعلمية والموضوعية المنطلقة من الحقائق الرقمية الموثقة حول المشاريع، وما يمكن أن يكون قد تخلل إليها من أخطاء في التنفيذ أو فساد إداري». وأثار هذا الرأي ردود المشاركات والمشاركين في اللقاء الفكري الذي دعا إليه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بمشاركة نحو 70 مثقفة ومثقفا، فردت الدكتورة فاطمة العتيبي على انتقاد الحبيب، بالقول: «إن سبب «الرومانسية» في المقالات التي كتبت عن الكارثة، يعود إلى صعوبة الوصول إلى المعلومة لما تتكتم به بعض الإدارات عليها. لذلك، لم يكن أمام الكتاب من سبيل سوى اللجوء إلى اللغة العاطفية». مصادر المعرفة رئيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين أكد في افتتاح اللقاء الفكري صباح أمس على وجوب أن يتمثل المثقفون والمفكرون طريقة الاستدلال القرآني في الحكم على الأشياء والظواهر، وأن يتحلى الجميع بالمعلومات ومصادر المعرفة المختلفة للتوصل السديد لهذا الحكم. ونوه بأهمية أن يكون: «الخطاب الثقافي» مثار البحث والنقاش في هذا الوقت. في الجلسة الأولى التي أدارها عضو اللجنة الرئاسية في المركز الدكتور راشد الراجح، تحدث أكثر من خمسين مشاركة ومشاركا حول المشهد الراهن للخطاب الثقافي، استهلها الدكتور معجب الزهراني بالحديث عن وجود تيار فكري مهيمن منذ عقود، ورأى «أن الخطاب الثقافي متنوع ومتعدد، ويجب أن يظل هكذا لكي يثري أذهاننا وأذواقنا ويرسم المصير المشترك الذي نسميه الوطن»، واعتبر «أن الخطاب الأحادي إذا لم تنكسر هيمنته سندفع أثمانا باهظة، فنحن ما زلنا تحت وطأة خطاب ثقافي يحارب الفكر الحديث والفنون الحديثة». وسأل «كيف سيعيش مجتمعنا في ظل هذه الصورة؟». جمعيات مدنية وركزت نورة العدوان في كلمته على لغة الخطاب الثقافي السائدة التي تتسم ب «التعديات على الأشخاص»، ورأت «أن هذا الخطاب يتعارض مع السياسة الإعلامية للمملكة»، وطالبت بتأسيس جمعيات مدنية تراقب ما يصدر في الصحافة من «تعديات». أما الدكتور مسعد العطوي فرأى أن «مشهدنا الوطني يتنوع بين الخطاب الاجتماعي، والفكري، والديني»، وسأل عن دور الفرد في نسيج هذه الثقافة، وقال: «نحن أحوج ما نكون إلى أكاديمية عليا يستقي منها الإعلامي والعالم والواعظ، ويبني السياسي قراراته». وتساءلت هدى الدليجان عن «أسباب الغياب الكامل للخارطة الثقافية، وعن غياب قضايا ملحة وحاسمة مثل: حقوق المرأة، الأنظمة، المخرجات الثقافية، مؤسسات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام تغيّب كل هذا». وقال محمد أبو ساق: «إن من المؤسف أن المشهد الراهن أوصلنا لخطاب ثقافي مسلح، ومفخخ، فهل ننتقل إلى حالة أكثر تسامحا لهذا الوطن؟». الخطاب الأحادي تواترت المداخلات حول الهوية، والانتماء، وتحديد مفهوم الخطاب الثقافي، وكانت أبرز المداخلات سخونة تلك التي طرحها الدكاترة: عبد الله الغذامي، حمزة المزيني، علي الموسى، عبد الرحمن الحبيب، أميرة كشغري، فاطمة العتيبي، وحليمة مظفر، حيث دارت مداخلاتهم حول: تعدد الخطاب الثقافي وتنوعه، وإيقاف هيمنة الخطاب الأحادي المهيمن، وركزت على «أن الخطاب الثقافي لا يلبي متطلباتنا، وأن الإسلام والوطن هو الجامع لمختلف الخطابات، وأن الخطاب الثقافي يعاني من المساجلة والارتجالية»، على حد تعبير الحبيب، فيما أشار الغذامي إلى «منع ندوات ومحاضرات خلال العامين الماضيين، ووجود أناس يكفرون أناسا في جلسات اللقاء، وحضور «صيغة المنع» في حياتنا الثقافية». تورا بورا وشدد الكاتب حمود أبو طالب على ضرورة تحديد مفهوم الخطاب الثقافي، فيما أقر علي الموسى بوجود التطرف الفكري بين الخطابين: الديني والثقافي، وقال: «إن خريجي تورا بورا لم ينزلوا من السماء كالمطر، وليسوا تلامذة للغذامي وحمزة المزيني وتركي الحمد»، وتساءل عما يحدث في جازان، «وأن هناك 6900 أسرة سعودية تعيش اليوم في الخيام، ولا يوجد صوت يدعو لهم، بل يدعو للشيشان وأفغانستان والصومال، ولا أحمل أحدا هذه المسؤولية». في المقابل قال كل من: عوض القرني، نوال العيد، عبد العزيز القاسم، ووليد الرشودي، «إن بلاد الحرمين ترتكز على الإسلام، وعلى الشريعة الإسلامية، وأن كل المجالات تجد من يحميها، مثل الآثار والمتاحف والأدب، عدا الدين والشرع، فحماية الدين والشرع تكون عن طريق العلماء والفقهاء». الاختلاط والوسطية ولاحظ القاسم «أن هناك انقلابات بيضاء على الفقه السائد من جانب العلماء أنفسهم، وتجلى ذلك في موضوع الاختلاط». وتحدث الدكتور سعيد السريحي عن مفهوم «الوسطية»، معتبرا «أن هذا المفهوم مغلوط في حياتنا، حيث انتقل من مجال الأخلاق، إلى مجال الفكر، مما أدى إلى التضييق على مساحة الفكر، فالفكر لا يشترط عليه شرطا قبل أن يكتشف الآفاق، والوسطية تقيد الفكر». وقال: «لقد أرادوا أن يصنعوا من تطرفهم قانونا يلزموننا به». وتعددت المداخلات، وجاءت أشبه بسجالات بين تيارين، وانتهى الحضور إلى ضرورة الالتئام حول المبادئ والثوابت الدينية والوطنية، والانفتاح على الخطاب الثقافي العربي والعالمي والاستفادة من ذلك في تطوير الخطاب الثقافي السعودي. ويناقش اللقاء في خمس جلسات عددا من المحاور المتعلقة بالخطاب الثقافي، أبرزها المشهد الراهن للخطاب الثقافي السعودي وتوجهاته الحالية، المؤسسات الثقافية وتأثيرها في الخطاب الثقافي من الجوانب الدينية والتربوية والإعلامية، قضايا الخطاب الثقافي السعودي (الخصوصية المواطنة الهوية)، واستشراف مستقبل الخطاب الثقافي السعودي. وأدار الجلسة الثانية «المؤسسات الثقافية وتأثيرها في الخطاب الثقافي»، الدكتور عمر عبد الله نصيف. وأدار الجلسة الثالثة «قضايا الخطاب الثقافي السعودي (الخصوصية المواطنة الهوية)»، الدكتور عبد الله العبيد. وتتواصل اليوم جلسات اللقاء، حيث يدير الجلسة الرابعة «استشراف مستقبل الخطاب الثقافي السعودي»، فيصل بن معمر. أما الجلسة الختامية، فيديرها الشيخ صالح الحصين.