انتقد مشاركون في جلسات اللقاء الوطني للحوار الفكري، الذي انطلق أمس، في الأحساء، هيمنة «تيار واحد»، وضعف الإعلام. وتناوب 70 مثقفاً ومثقفة، في مداخلاتهم على توجيه سهام النقد لهاتين الجهتين. وكانت مداخلاتهم مباشرة و»حادة». ودفعت كلمات رئيس اللقاء الوطني للحوار الفكري الشيخ صالح الحصين، حول أن دور المركز «سيقتصر على إدارة اللقاء، بما يضمن حرية المشاركة لجميع المشاركين وطرح الآراء والأفكار التي يرون من شأنها أن تساهم في تطور الخطاب الثقافي السعودي»، المشاركين إلى توجيه النقد بحرية. وعلى مدى جلستين، استعرض مشاركون في اللقاء الذي جاء تحت عنوان «واقع الخطاب الثقافي السعودي وآفاقه المستقبلية»، رؤاهم حول «هيمنة» كيان واحد على واقع هذا الخطاب، وسط نقاش «محتدم» ولو لم تتعال الأصوات المتصادمة، من التيارات الثقافية المختلفة، لكن أبسط ما يمكن أن يوصف به الحوار في يومه الأول ب«الجريء». والتقت معظم الأصوات حول الشكوى من ان يسيطر كيان واحد على المشهد الثقافي في المملكة، وإن لم يسموا هذا التيار علناً، مستعيرين للدلالة عليه بمسميات عدة، منها «التيار الفكري الأوحد»، و«الفكر الرافض للعلوم والمُجرم لها». وانصبت المداخلات على إيضاح تأثر هذا التيار على المشهد الثقافي. وقال الدكتور معجب الزهراني في مداخلته: «إن التيار مُهيمن على المشهد الثقافي السعودي بأحاديته، وبموقفه المُحارب للعلم الحديث، والمحرم للفنون الحديثة. واستمرت هيمنته هذه لعقود، ولكنها يجب أن تنكسر»، مشيراً إلى أن حديثه «ليس من منطلق قضية شخصية، فالأمر يمس مصلحة الوطن ومستقبله». وأشار الزهراني، إلى ما يشبه «الانهيار» في الدراسات الإنسانية في الجامعات، التي «تعاني من صمت كئيب، سببه تزايد الممنوع والمحرم»، مضيفاً ان «دور المسجد يمثل أهمية في المجتمع، لكن هذا الحضور ليس كما ينبغي. والخطباء لا يطرحون قضايا تتحدث حول التسامح، أو احترام النظام». ولم تكن مداخلة الدكتور عبدالله الغذامي، اعتيادية، حين قال: «إن من بين الحضور من يقول بتكفير أشخاص يجلسون إلى جانبهم هنا. كما أن هناك أشخاصاً لا يطرحون السلام على أشخاص في هذه الجلسة»، مشيراً إلى أن هذا خلفه «فكر ورؤية، وكي يتحقق الحوار، فلا بد من الإفصاح عنهما». وأكد على ضرورة أن «يبتعد الحوار عن أن يكون مع الغائب، فالحاضرون أنفسهم هم عينات من المشهد الثقافي، وبدلاً من التحدث بعموميات عن الثقافة والمثقفين، يفترض أن يواجه بعضنا بعضاً، في المسائل التي نتشابك فيها». واتهمت الدكتورة نورة العدواني، لغة الخطاب التي تظهر في الصحافة السعودية بأنها «تتسم بالتعديات والتجاوزات، وبذلك تشكل خطراً حقيقياً»، مضيفة أن تلك التعديات «تطال حقوق الإنسان، وتنتهك الأعراف الدولية. والصحافة فقدت الأطر التي تنظمها، ولم تعد تحترم الأنظمة التي وضعتها الدولة». واعتبر الدكتور عبد الرزاق الزهراني، الخطاب الثقافي السعودي «معتدل، ووسطي ومتسامح، على رغم وجود ثلاثة مستويات: ليبرالية ومتشددة ومائعة، وهي مختلفة وغير منضبطة». واعتبر المستوى الوسطي هو «السائد». وصوب الدكتور حمود أبو طالب، سهام نقده على مركز «الملك عبد العزيز للحوار الوطني»، بسبب «ابتعاده عن القضايا الفكرية، والتوجه إلى المواضيع الخدمية، التي لا تتناسب مع ما يتمناه المجتمع من هذا المركز». وأضاف أن «القضايا الفكرية هي التي تشكل الحوار الوطني». وقال: «إن الخطاب الثقافي هو المحرك التنموي والحضاري لأي أمة، وإذا تأملنا مفهوم الثقافة؛ فهو لا ينحصر في الجانب الإبداعي والأدبي، الذي يهدف إلى رفع كفاءة المواطن سياسياً وثقافياً وتنموياً، فمناقشة الخطاب الثقافي لهذه القضية يعد خطوة مهمة، وليس الحصر في المجال الأدبي. لذا لا بد من تحديد الخطاب الثقافي المقصود، حتى نستطيع الخروج بنتيجة موضوعية ومعقولة». وأكد أبو طالب أن «مكانة المملكة التي لم تعد تقتصر على الثقل الإسلامي فقط، بل لها تأثير كبير في الجانب الاقتصادي والثقافي والسياسي والحضاري. كما أن الثقافة السعودية لم تعد محلية، بل عالمية. ومن الواجب أن يكون خطابنا الثقافي متناغماً مع العالم». رأى أن الخطاب الثقافي «يعيش مرحلة تحول تاريخية، لأن الساحة الشرعية التي هي عمق الساحة الثقافية، ستشهد خروج فتاوى عدة، كالاختلاط، ولعل تصريح وزير العدل حوله، دليل على ذلك. لذا يجب أن يتهيأ الشرعيون لمثل هذه التغيرات، خصوصاً أن السياسي يباركها، وأي تغير في المملكة سينعكس على باقي الدول الإسلامية، متمنياً أن لا توظف الفتوى الدينية للجانب السياسي». ووصف الدكتور أحمد الحليبي، واقع الخطاب الثقافي السعودي بأنه «يشوبه الكثير من الضبابية، وبخاصة في الماهية المقصودة منه»، مضيفاً «لا أدري أي نوع يراد به، أو ما يستهدف هذا الخطاب الثقافي الذي نجتمع لإعادة صوغه، فهناك هجوم واضح على الخطاب المهيمن، الذي يصطبغ بطابع التيار الديني، ولكن هل هذا الخطاب هو خطاب الدولة، أم خطاب العلماء، أم هو خطاب المتشددين من التيار الديني، الذين يرى الطرف الآخر أنهم هم المتحكمون في صوغ هوية الخطاب الثقافي الموجه».