قد تبين أثر الفلسفة على فلاسفة المسلمين وعلماء الكلام وإن لم نستقص وقد بقيت بعض النماذج المشهورة التي أسوقها تذكرة للمسلمين قال عبد الرحمن بن أبى حاتم حدثنا عبد الله بن محمد الفضل الصيداوى حدثنا الحسن بن الصباح البزار عن أبى قدامة السرخسي سمعت خلف بن سليمان البلخي كان جهم فصيحا لم يكن عنده علم فلقيه ناس من السمنية(فلاسفة هنود يقولون بقدم العالم ينكرون النظر والاستدلال ولا يعلم شىء الا من طرق الحواس الخمس) فكلموه فقالوا له صف لنا من تعبد قال أجلوني فاجلوه فخرج اليهم قال هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء وقال الإمام أحمد بلغنا من أمر الجهم أنه كان من أهل خراسان من ترمذ وكان صاحب خصومات وأكثر كلامه في الله تعالى فلقي أناسا من المشركين يقال لهم السمنية فقالوا له نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك فكان مما كلموه أن قالوا له ألست تزعم أن لك إلها قال الجهم نعم فقالوا له فهل رأيت إلهك قال لا قالوا فهل سمعت كلامه قال لا قالوا فشممت له رائحة قال لا قالوا فوجدت له حسا قال لا قالوا فوجدت له مجسا قال لا قالوا فما يدريك أنه إله فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوما وقال الملطي وقال لا أصلي لمن لا أعرفه ثم إنه استدرك حجة مثل حجة زنادقة النصارى وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي في عيسى هو روح الله من ذات الله فإذا أراد أن يحدث أمرا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان خلقه فيأمر بما يشاء وينهى عما يشاء وهو روح غائبة عن الأبصار .فانظر إلى أثر فلسفة السمنية على الجهم بن صفوان وانظر إلى أثرها على أبي حامد الغزالي الذي قال عنه أبو بكر بن العربي لقد ابتلع شيخنا الفلسفة ولم يتقيئها وقال المازري : وأكسبته قراءة الفلسفة جراءة على المعاني وتسهيلا للهجوم على الحقائق لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها وليس لها شرع يزعها. وكان مضطربا فقد قال الغزالي: فإن قيل ما المذهب قال: المذهب ليس واحداً، فأما الجدل فهو على طريقة المتكلمين، وأما مذهب العامة فهو بالزواجر والدواعي، وأما المذهب السر بين العبد وبين ربه فهو طريقة الصوفية وقال كان له عكوف على قراءة رسائل إخوان الصفا إحدى وخمسون رسالة وواضعها رجل فيسلوف مزج ما بين العلمين وحسن الفلسفة في قلوب أهل الشرع بآيات وأحاديث يذكرها عندها ثم قال ووجدت الغزالي يعول علي ابن سينا في أكثر ما يشير إليه في علوم الفلسفة حتى إنه في بعض الأحايين ينقل نص كلامه من غير تغيير وأحيانا يغيره وينقله إلى الشرعيات أكثر مما نقل ابن سينا لكونه أعلم بأسرار الشرع منه فعليهما عول في الفلسفة. والغزالي وإن كفَّر الفلاسفة في كتبه المتأخرة ولا سيما في (التهافت) إلا أنه قد تأثر بهم كثيراً ففي مقامات العارفين تكلَّم بنفس أحرف ابن سينا في (الإشارات والتنبيهات)، و الفلاسفة الإشراقية، وإن خالفهم في مسألة قدم العالم ومسألة العلم بالجزئيات مع أن أبا الوليد ابن رشد لما رد عليه قال: (إنك في كتبك لما ذكرت درجات المحسوبين ذكرت أن من أشرف الدرجات من جعل الوجود وجوداً مطلقاً، وأن واجب الوجود ليس داخل العالم ولا خارجه وهذا هو مذهب أرسطو وقد امتدحته في بعض كتبك) وقال عن نفسه في (المنقذ من الضلال) أنه ظل متحيراً زماناً، وأن حيرته زالت بنور قذفه الله في قلبه، فأحواله مختلطة كثيرة، مع عظم عبادته وصدقه وعلمه بالفقه وأصوله، وله مقامات حسنة في الإسلام.وكان يتمثل بأبيات : يارب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا فلو أنه أباح به لقيل له: إنك تعبد الأوثان ولاستحلوا دمه، ولهذا يكتمه، ولهذا ألف كتابه المضنون به على غير أهله ويحكى أنه مات والبخاري على صدره رجع إلى السنة. *خبير في مجمع الفكر الدولي