هكذا هو «عبد الله بن عبد العزيز» يستشعر مسؤوليته تجاه رعاياه أمام المولى عز وجل .. ويتلمس معاناتهم ويتفاعل مع أتراحهم .. ولهذا تربع على قلوب شعبه الوفي. جاء أمره التاريخي الكريم خطابا عميق الأبعاد، جزل الألفاظ، واضح المعاني حازم المقصد .. ثري بمضامينه الإنسانية وفاعليته العملية. جسد الأمر الكريم إدراكا واعيا لتداعيات الوضع حين قال: (إن من المؤسف له أن مثل هذه الأمطار بمعدلاتها هذه تسقط بشكل شبه يومي على العديد من الدول المتقدمة وغيرها ومنها ما هو أقل من المملكة في الإمكانات والقدرات ولا ينتج عنها خسائر وأضرار مفجعة على نحو ما شهدنا في محافظة جدة وهو ما آلمنا أشد الألم ). وتضمن الأمر الكريم توجيها بتحديد المسؤولية والمسؤولين عن الأمر ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم، مؤكدا وجود الشجاعة الكافية للإفصاح عن ذلك والتصدي له بكل حزم. ولم يقتصر الأمر الكريم على ذلك .. بل تضمن الأمر على وزارة المالية وبصفة «حالا» بصرف مبلغ مليون ريال لذوي كل شهيد غرق، وكذلك تعويض المتضررين في ممتلكاتهم. ولقد جاء موقف خادم الحرمين الشريفين التاريخي والإنساني ليمثل بلسما شافيا لضحايا الكارثة .. وليعكس مقومات الشعبية الجارفة التي يحظى بها حفظه الله وليشكل أساسا قويا لمعالجة المشكلة. ونحمد المولى عز وجل أن كارثة السيول التي شهدتها محافظة جدة يوم الأربعاء الثامن من شهر ذي الحجة .. وقعت في وقت إجازة لم تكن فيه جامعة الملك عبد العزيز مفتوحة .. ولم تكن المدارس مفتوحة لاسيما في المنطقة المنكوبة والبالغ عدد مدارس البنين فيها (15) مدرسة والبنات (11) مدرسة غالبيتها العظمى في مبان مستأجرة .. وإلا لكنا شهدنا كارثة أكبر وضحايا بأعداد مضاعفة .. ومع هذا فلقد خلفت الكارثة مآسي دامية عاشها سكان شرق وجنوب جدة .. وخلفت أكثر من (110) متوفى وإصابة المئات وتشريد الآلاف .. إلى جانب تلفيات طالت الممتلكات. فهناك من فقد أعزاء عليه .. وهناك من فقد منزله .. وهناك من فقد ممتلكاته.. وهناك من فقد سيارته. ولم يخفف من حجم مصابهم الجلل .. إلا أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز القاضي بصرف مليون ريال لكل أسرة فقدت غريقا في سيول جدة وتعويض المتضررين في ممتلكاتهم الخاصة وقبل ذلك إيواؤهم وتقديم المساعدات المالية لهم. ولقد كشفت الأمطار الكثيفة التي شهدتها مدينة جدة والتي بلغت كمياتها (95) مليمترا ونتج عنها سيول تدفقت عبر الأودية الواقعة شرق جدة .. سببت ارتفاعا في منسوب المياه بشكل غير مسبوق .. كشفت واقع الحال المتردي الذي تعيشه مدينة جدة في بنيتها التحتية. •• وكما قال سمو الأمير خالد الفيصل فإن أسباب الكارثة تشمل : إنها من طبيعة الطبيعة الوارد حدوثها في أي زمان ومكان. تأخر تنفيذ مشاريع تصريف الأمطار والسيول ومشاريع الصرف الصحي. بناء المخططات والمساكن في مجاري السيول. والحقيقة هي أن جشع الأراضي وقيام مخططات وتعديات ومساكن وأحياء عشوائية في بطون الأودية وعلى مجاري السيول .. يمثل خطأ فادحا في التخطيط العمراني للمدينة يتوجب تصحيحه. ولاريب أن عدم وجود شبكة لتصريف مياه الأمطار ودرء السيول في المنطقة المصابة بل وفي مدينة جدة ككل يعد سببا رئيسيا للمشكلة .. حيث إن شبكة تصريف الأمطار التي نفذت .. والجاري تنفيذها لا تشكل في مجملها سوى 30 في المائة فقط من جدة .. وهناك 70 في المائة من جدة بدون شبكات تصريف الأمطار ودرء السيول. وهي للأسف مشكلة قديمة لم تجد حلا، ومن الأسباب أيضا ما يتعلق بجودة مشاريع الطرق المنفذة .. ومنها ما يتبع الأمانة مثل نفق طريق الملك عبد الله الذي جهز بمضختين محدودتي الحجم والإمكانية لا تزيد سعة الواحدة منهما عن 2500م3 . وهناك مشاريع تتبع وزارة النقل مثل طريق الحرمين وكبري الجامعة وأبرق الرغامة .. التي شهدت انقشاع الطبقات الإسفلتية وانهيارات في أجزاء منها، وكذلك أنفاق طريق الحرمين التي امتلأت بالمياه وأغرقت عددا من الضحايا. ومن الأسباب.. غياب خطط الطوارئ وهذه مشكلة أزلية.. وإن وجدت هذه الخطط فإنها في أغلب الأحيان تظل على ورق دون أن تجرى عليها التجارب الفرضية الدورية اللازمة. وغياب خطط الطوارئ الجاهزة يؤدي إلى ارتفاع حجم الخسائر البشرية والمادية للكوارث والعكس صحيح .. فالكوارث الطبيعية تحدث .. وتخلف أضرارا .. ولكن حجم الأضرار يحدده الاستعداد الجيد لمواجهة الكوارث. والمشكلة هي أن وقوع هذه الكارثة كان أمرا متوقعا .. تماما كما أن انفجار مشكلة بحيرة الصرف الصحي واردة الحدوث لا سمح الله . ولقد أثار انتشار خبر حدوث تسربات في السد الحاجز لبحيرة الصرف الصحي وإعلان حالة الطوارئ وإخلاء المستشفيات وإخلاء السكان من منازلهم في يوم الاثنين 14من ذي الحجة 1430ه .. أثار مخاوف السكان من نذير خطر انفجار سد البحيرة ومن ثم جريان مياهها (النتنة) التي تقدر كميتها بنحو 19 مليون متر مكعب على البيوت والمحلات والشوارع. لاسيما أن منسوب البحيرة كان قد ارتفع إلى 14 مترا من أصل 18 مترا. ولقد ظلت البحيرة على مدى عقدين من الزمان تشكل خطرا بيئيا جاثما في المدينة.. وظل وجود شبكة صرف صحي في جدة أملا كبيرا صعب مناله منذ نحو خمسين سنة وحتى الآن. ومسؤولية الصرف الصحي تقع على عاتق مصلحة المياه والصرف الصحي التابعة لوزارة المياه. وحيث إن قضية «فاجعة» جدة معقدة ومتداخلة فإن وزارة الشؤون البلدية وأمانة جدة تتحملان مسؤولية المخططات المعتمدة وغير المعتمدة التي أقيمت في بطون الأودية وفي مجاري السيول. كما تتحملان التعديات على الأراضي البيضاء في تلك المناطق. ومسؤولية وزارة المالية كبيرة في فاجعة جدة لكونها قصرت في إدراك الاحتياجات الماسة، ولموقفها السلبي في دراسة طلبات تمويل المشاريع الهامة لمحافظة جدة على مدى السنوات العشرين الماضية. فمدينة جدة التي تبلغ مساحتها 900 كم تغطي شبكة الصرف الصحي 73كم2 منها أي ما يعادل ثمانية في المائة فقط من مساحتها. وللحديث بقية..