أشرقت الشمس، يوم أمس على حي قويزة في مدينة جدة، إشراقة بائسة، رغم أن الحياة دبت في الأوصال المتقطعة عبر الطرق، المحال التجارية والناس. إذ ما إن شع النهار بنوره، حتى بادر الناس إلى تلمس ما تبقى من حياة. فعامل المشغل النسائي البسيط نفض عن فستان وردي اللون ما علق به من غبار الكارثة التي طغت على كل الألوان، منذ ثمانية أيام، حيث أقبل شفيق الرحمن على الإمساك بمجسم امرأة مكسو بثوب زاهٍ، وأدخله المحل المتهالك جراء السيل الجارف. عاد شفيق يبث الحياة في الأثواب الزاهية، لكن الأعين التي كانت ترقب ما تصنعه يداه، غابت. إنها الحياة الباقية رغم الغياب. كان عامل المشغل النسائي، معتادا على عرض أثوابه عبر واجهة محلة 12 ساعة في اليوم، كانت نساء الحي، يتقاطرن على شفيق، من أجل صنع ثوب الفرح لهن. ودأب شفيق الرحمن ذو الأصول الهندية، على جذب النساء، بالألوان الفاقعة والتطريز الكثيف، معتمدا على ما تمليه عليه النساء من تصاميم، أو ما يشفه من مجلات الأزياء. غرقت الأثواب التي يصنعها الخياط الآسيوي في الوحل، واتشحت نساء قويزة بالسواد. يقع مشغل شفيق الرحمن وسط الشارع الرئيسي للحي الغارق، ويطل مباشرة على وادي مريح، ذلك الوادي الذي جرف سيله، حياة قويزة. قضى شفيق الرحمن ثمانية أعوام في حياكة أثواب النساء المقبلات على الحياة، بالأمس استأنف العامل الآسيوي عمله، نفض الغبار عن كل شيء، وجرف الطين من داخل محله، أعياه التعب فسقط من يده مجسم امرأة ترتدي فستانا ورديا. طوال الأعوام الثمانية، ولج إلى جيب شفيق الرحمن الكثير من المال، لكنه يقول إنه لا يساوي شيئا لو قذفه السيل في بطن الموت. حينما تساقط المطر يوم أربعاء الكارثة، راقب شفيق الرحمن المشهد من نافذة محله، تلك النافذة التي اعتاد على مخاطبة النساء عبرها، عندما اشتد المطر، هرب شفيق الرحمن إلى مكان بعيد عن الخطر، إلى حيث يسكن أقارب له في حي الروضة وسط جدة، وأصبح على مدى ثلاثة أيام يشاهد قناة «الإخبارية» لأول مرة منذ أن وطئت قدماه أرض المملكة. في اليوم الثامن بعد الكارثة، أتى إلى محله متفقدا، وجد الفساتين ملقاة على الطريق، وباب محله الذي لا يزيد عن أربعة أمتار عرضا وطولا، وقد أصبح أثرا بعد عين، لملم ما تبقى واستحضر صور التلفاز واللحظات الأولى لتساقط المطر. حينما يتفقد رجال الدفاع المدني الأضرار، يشيح شفيق الرحمن بوجهه عن ذوي البزات الصفراء، يخشى شفيق الرحمن انكشاف أمره، كعامل آسيوي، يعمل في المملكة منذ ثمانية أعوام، تحت كفالة رجل تستر عليه. إنها قويزة.