لو أننا تخيلنا ... فقط ولبضع لحظات أن هذا العالم ليس كما كنا نتوقعه خلال مرحلة العمر الزاهية في حياتنا حين كنا ننظر للمستقبل بكل عنفوان ونعتقد أننا نملك هذا الوميض البعيد بكل إشراقته التي كانت تبدو لنا ... فلنتخيل معا أننا نعيش اليوم كما كنا نتمناه ... عالم يخلو من الأمراض لأننا كنا نتوقع أن العلم سيصل الى مراحل متقدمة ليكتشف دواء لكل داء ... وعربات تطير بلا صوت ولا محركات تلوث الهواء وتوجهها إشارات من أقمار صناعية ... موسيقى حالمة ترافقنا في كل مكان .. ومحطات تلفزة تبث أفلاما وثائقية عن عالم ماض أنهكته الحروب ودمرته يد الشر والطمع ... حدائق معلقة تحيط بالبيوت تنتج خضروات وفاكهة لكل بيت ... أطفال يمرحون في الشوارع التي تمتد بنجيل أخضر وتطوقها أصناف من الزهور منتقاة من كل أنحاء العالم ... هل نتخيل ذلك ولو للحظات لننعم بشيء من الأمل ... ؟ حلم جميل .... أليس كذلك ؟ مثلي الكثير ممن حلموا كانوا ينظرون للمستقبل بتفاؤل قد أسميه اليوم تفاؤل ساذج ولكنه في الواقع حلم ما زلت أحتفظ به كلما طالعت الصحف اليومية والأخبار العالمية .. وكلما التقيت بأشخاص يعانون من فقر في الأخلاق والضمير وكلما صادفت قصة فساد أو سرقة ... وكلما تفشت الأمراض الغريبة بين الناس ... وكلما كثر حولي المزيفون والمدعون .... كيف من الممكن أن تتحول تلك الأماني إلى كابوس نعيشه كل يوم ويقتل فينا الحلم ولا يمنح للأجيال الجديدة إلا واقع مستقبلي مظلم ... أتساءل في بعض الأوقات .. ما الذي ينتظر أبناءنا وأحفادنا مستقبلا ... ما الذي نمنحهم إياه ... وأي طريق سيتبعونه خلفنا ؟ أؤمن بالقدر كثيرا .. ولكنني أيضا أؤمن بأن ما يحدث لنا هو من صنع أيدينا ... العالم لا يسرق أحلامنا بل نحن من نصنع من أحلامنا أسلحة نوجهها نحو رؤوسنا .... نحن من نختار دروبنا وعلاقاتنا ونحن من نحدد اتجاه مصائرنا ... ونحن المسؤولون مسؤولية كاملة عما سنورثه للأجيال التالية ... فما الذي نورثه لهم ؟ هل نحن نورث لهم الخوف الذي يلازمنا من أن يصيبنا وباء ... أو أن نفقد تحويشة العمر في استثمار مزيف ... أو أن لا نحلم بمستقبل لأبناءنا لأن هناك من يسرق الأحلام ... هي ليست رؤية تشاؤمية بقدر ماهي رؤية فاحصة لواقع نعايشه ووقفة لمراجعة مايدور حولنا وكيف نتأثر به وهل نحن قادرين على التأثير عليه .. وهي رؤية لمراجعة ذاك الحلم البعيد الذي نتركه عند عتبات سنواتنا اليافعة وتوقعاتنا المتفائلة جدا ... وما يتبقى بعد تلك الوقفة سؤال نوجهه لأنفسنا ... هل نتمسك بحلمنا لأننا مازلنا نأمل بتحقيقه ؟ نحن نتمسك بالحلم لأننا لا نريد لأنفسنا أن نصل حدود اليأس ... ولأننا نتمسك بالحياة التي وهبت لنا .. فالحياة تمنحنا كل الاختيارات وما علينا سوى أن نوازن ما يعرض علينا مع ما نملك تحقيقه من أمانينا وأحلامنا ... وان فقدنا لحظات الحلم تلك فلن يبقى لنا شيء نتمسك به لنعيش ... شاعرة وإعلامية سعودية [email protected]