اختلف الفقهاء فيما يجوز للمرأة أن تضعه من شروط في صلب عقد النكاح وما لا يجوز لها، خاصة فيما يعود عليها بالنفع أو تكون هي في حاجة إليه مثل أن تشرط على الزوج ألا يخرجها من بلدها أو أن يطلق من عنده من زوجات لتكون هي الزوجة الوحيدة في حياته ولا يتزوج عليها، أو أن يكون لها طفل أو أطفال من غيره وتشترط عليه بقاءهم معها وتربيتهم ونفقتهم عليه، أو أن لا يأتيها إلا يوما في الأسبوع أو لا يأتيها إلا في الليل فقط أو في النهار فقط، وهي ما تسمى الليلية والنهارية في الماضي وتسمى هذه الأيام نكاح المسيار، كما لها حق الاشتراط أن لا يطأها. المرداوي «الإنصاف» 8/163، وكل هذه الشروط وغيرها أقرها فريق من أهل العلم في المذهب الحنبلي واعتبروها شروطا صحيحة واجبة الوفاء بها إذا ذكرت في صلب العقد فيكون العقد صحيح والشرط صحيح، كما ذكره المرداوي في (الإنصاف) (6/210) والبهوتي في (الكشاف) (5/320) وابن قدامة في (المغني) (5/220). وأنه في حالة الإخلال بما وافق عليه الزوج من شروط بعد العقد والدخول بالزوجة فإنه يحق للزوجة فسخ العقد. وفسخ العقد معناه ارتفاع العقد بينهما وكأن لم يكن ثمة شيء بينهما ويوجب القاضي على الزوج أن يوقع الطلاق ولا حق له في استرجاع شيء من المهر ولا غيره مما يحق له في حالة الخلع. فالفسخ في حكم الخلع إلا أنه لا يحق للزوج استرجاع المهر أو أن يشرط أي شرط وإنما عليه إيقاع الطلاق لإخلاله بما وافق عليه من الشروط في هذا النكاح، ولقد نشرت مجلة «سيدتي» غرة أغسطس عن امرأة اشترطت في صلب عقد النكاح على الزوج ألا يتزوج عليها، ووافق الزوج على شرطها وكتب ذلك في صلب العقد ثم بعد سنوات أخل الزوج بهذا الشرط وتزوج عليها، فطلبت الطلاق لإخلاله بما وافق عليه من الشروط. ولكن القاضي لم يعتبر هذا الشرط ولم يحكم للمرأة بما طلبت. ولم يذكر في هذه القصة مستند القاضي في عدم اعتبار هذا الشرط موجبا لفسخ العقد، مع أن تعليمات وزارة العدل تقضي في أن يحكم القضاة في القضايا على المذهب الحنبلي، وإن كان هذا غير لازم فيما لو ارتأى القاضي حكما أقرب إلى الصواب في المذاهب الأخرى لهذه المسألة أن الحكم الراجح في هذه المسألة في المذهب الحنبلي هو الاستجابة لطلب المرأة في فسخ العقد. وقد اشترطت امرأة في عهد عمر بن الخطاب على الخاطب ألا يخرجها من بلدها فوافق الرجل عليه ثم أخل به بعد سنوات وتحاكما إلى أمير المؤمنين عمر فحكم للمرأة بما طلبت وفسخ العقد وقال قولته المشهورة: (مقاطع الشروط عند الحقوق .. )، وكان هذا في عهد الصحابة ولم يخالف عمر أحدا منهم فيما ذهب إليه مع وجود فطاحلة الفقهاء بينهم منهم العبادلة الأربعة وعلي بن أبي طالب وكبار الصحابة المعول عليهم في الفتيا الفقهية فأصبح هذا كالإجماع، والإجماع حجة قوية، بل هو أقوى الحجج في المسائل الفقهية كما ذكره ابن النجار في (الكوكب) (3/210) والجويني في (البرهان) (2/115) والآمدي في (الأحكام) (3/312)، وثمة حجة أخرى قوية استند عليها الإمام أحمد في وجوب استجابة طلب المرأة في هذه الحالة هي قضية عبد الله بن مسعود مع زوجته زينب، حيث كان له لزينب أمة شابة في البيت وطلب عبد الله من زينب إما أن تبيع هذه الأمَة لأحد من الناس وتخرجها من البيت أو أن تبيعه إياها. وكان عبد الله بن مسعود لا يرغب في بقاء هذه الأمَة في البيت وهي شابة خشية أن تقع خلوة معها في غياب زوجته. ووافقت زينب على بيعها له وشرطت عليه شرطا وهو ألا يبيعها وإذا رغب ببيعها عليه أن يبيعها لزينب نفسها وبنفس الثمن، كما ذكر القصة ابن تيمية في (الفتاوى) (23/312). ووافق ابن مسعود على هذه الشروط واشترى الجارية. وهذا شرط مخالف لمقتضى العقد ومع ذلك وافق عليه ابن مسعود وكافة الصحابة فكان كالإجماع وأصبح الحكم في المذهب الحنبلي أنه يجوز للمرأة أن تشترط بما شاءت من شروط في صلب العقد ولها الفسخ بدون عوض إن أخلف الزوج، وأبطلت المذاهب الأخرى مثل الحنفية والشافعية هذه الشروط لقوله عليه الصلاة والسلام: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا». وهذه الأحاديث معارضة بقوله عليه الصلاة والسلام: «إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج» وهذا يعني أن شروط النكاح أوكد منها في البيع والإجارة، وقوله عليه الصلاة والسلام: «المسلمون على شروطهم». فلا يكون الحديث حجة إذا يصبح الحكم الراجح هو الاستجابة لطلب المرأة لا سيما وأن في المسألة إجماع من الصحابة رضي الله عنهم. فاكس: 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة