الفساد هو سائل هلامي نتن الرائحة لايختلف كثيراً عن الإرهاب، فكلاهما يعمل لمصالح فردية على حساب الوطن، والفارق بينهما أن الأخير تظهر آثاره سريعاً، بينما الفساد يعمل في الخفاء وتستيقظ الأمم على آثاره كما حدث في أزمة الاقتصاد العالمي عندما تحصن الفساد بالنظام فحماه. مكافحة الفساد تبدأ بتحديد حجمه في القطاع العام، وأسرع الطرق إلى ذلك استطلاع آراء العاملين في القطاعين العام والخاص، ومقارنته بالنتائج التي أعلنتها هيئة الرقابة والتحقيق حتى يمكن تحديد مقدار الفجوة بين ما تم العثورعليه من قضايا فساد مع الواقع الحالي، صحيح أن آراء العاملين قد تفتقر إلى الدليل إلا أن هذا أمر طبيعي، فالفاسدون ليسوا بالسذاجة أن يتركوا أثراً يدينهم. يمكن للأجهزة الرقابية المعنية بمكافحة الفساد بالبدء بفحص قوائم موردي إدارات المشتريات والمشاريع ومراجعة نتائج أعمالهم ولو بشكل عشوائي، وتخصيص رقم مجاني وأقسام متخصصة لكي يتواصلوا مع كل شخص لديه تظلم أو معلومات عن عمليات فساد حتى يسهل اختراق خطوط الفساد الدفاعية، وتوفير مؤشرات أوضح عن حجم الفساد المتغلغل في أروقة القطاع العام. دعم الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد في القطاع العام تتطلب توفير نظم معلومات متطورة لتعزيز الرقابة وقياس الأداء، وفي نفس الوقت تتيح للتنفيذيين ومتخذي القرار في أجهزة القطاع العام الحصول على أدق التفاصيل في أي وقت دون الحاجة إلى انتظار تقارير تصل بعد تبهيرها وتلميعها وتظهر صوراً مخالفة للواقع. وحتى تنجح مثل هذه الخطوة من المهم إغراء المسؤولين من مديري الإدارات وغيرهم الذين لايستطيعون التفاعل مع متطلبات التنمية بالتقاعد المبكر مقابل الحصول على راتب تقاعدي بخدمة كاملة أو مكافآت مالية للتخلص من المدرسة الإدارية البيروقراطية السائدة في القطاع العام والتي تخشى اتخاذ القرار وتقوم على صناعة ولاء الموظفين لهم وليس للجهاز الذين يعملون لصالحه، وهذه من أكبر عقبات التنمية!. توفير بدلات ملائمة لتكلفة المعيشة وتحديد أهداف سنوية والمحاسبة على النتائج من أهم عناصر الحرب على الفساد، فبهم يضيق الخناق على الفساد، فموظفو القطاع العام بحاجة إلى التحفيز وربما يكن ذلك من خلال إضافة مكافآة تميز سنوية لكل من يستحقها، ومراجعة ملاءمة بدل الانتداب لتكلفة المعيشة الحالية وإضافة بدل للسكن، وتقييم قدرة موظفي القطاع العام على تملك سكن مناسب قبل التقاعد، كل ذلك يساهم في التخلص من عبء التفكير في السكن والتركيز على التنمية وخدمة الوطن، وفي نفس الوقت إضافة مواد لنظام الخدمة المدنية يمكن من خلالها التخلص من الحمل الزائد من الموظفين الذين لايؤدون واجبهم بأمانه وتحديد أهداف سنوية رقمية لا إنشائية، حتى تسهل المحاسبة على النتائج في نهاية كل العام وعلى أثرها تقدر ميزانية كل جهاز. يرى البنك الدولي أن مكافحة الفساد تبدأ بعناصر خمسة، منها: صناعة قطاع خاص منافس من خلال إصلاح الأنظمة لتسهيل دخول منافسين جدد للسوق، وتطوير الواقع الإداري في القطاع العام من خلال التخفيف من مركزية اتخاذ القرار، وزيادة مشاركة المجتمع في مكافحة الفساد من خلال رفع الوعي وإعطاء حرية أكبر للإعلام لمناقشة قضايا الفساد، كل ذلك لم تغفلها الحكومة، ودور الجميع الآن المشاركة في محاصرة الفساد من التمدد في المجتمع من خلال إثارته إعلاميا ومناقشة استغلال النفوذ وطرق الفساد التي تستخدم بغطاء قانوني. أتمنى أن نحتفل هذا العام باليوم العالمي لمكافحة الفساد والذي يصادف التاسع من ديسمبر بتأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لتؤسس لمرحلة جديدة من عمر الوطن. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 246 مسافة ثم الرسالة