موسم الحج هو أعظم مواسم المسلمين حرمة وهيبة وقدسية، وهو مؤتمر روحي هائل يقصد الخلق فيه حرم الله «الآمن» ليتزودوا من التقوى والخير وأيضا فيه التعارف وتلاقي الخواطر والهموم بين أهل الإسلام من كل مكان، فهو مؤتمر عام حقيقي، ولكن أن يتم تحويل مثل هذا الموسم العظيم المهيب إلى ساحة للعبث السياسي أو استعراض القوى لبعض الدول أو تصفية حسابات لها مع هذه الجهة أو تلك، فهذا ما لا يجوز ابتداء، لا شرعا ولا سياسة ولا خلقا، وينبغي التصدي لمثل هذا العبث «والتهريج» ووقفه أيا كانت أطرافه أو العابثين فيه، ولذلك تضامن العالم الإسلامي بكامله مع حكومة المملكة العربية السعودية عندما تصدت بحزم لمثل هذه المظاهر قبل سنوات، ورغم ما خلفه ذلك الموقف من حوادث مؤسفة إلا أن الأمة بكاملها تفهمت الموقف الرسمي للمملكة ودعمته دينيا وسياسيا وحملت العابثين مسؤولية عبثهم وتوابعه، وسيكون من المؤسف جدا أن تحاول بعض الدول أو القوى الإقليمية الطامحة للتمدد وإظهار القوة أن تستغل موسم الحج من جديد لكي تحقق مكاسبها السياسية المزعومة على حساب أمن الحجاج وهيبة موسم الحج وأمن بيت الله الحرام، وأتصور أنه من المهم لكل صاحب قلم أو رأي أن يتصدى لمثل هذا العبث ويتصدى أيضا لمجرد التلويح به، فالمسؤولية مسؤوليتنا جميعا، البيت الحرام والبلد الحرام ليس مكانا للتظاهرات السياسية استغلالا لحشود الحجاج من كل فج عميق، وليسا مكانا لاستعراض صور بعض الزعماء والقادة السياسيين أو حتى الدينيين، أو الهتافات الفجة والصراخ والتهييج، من أراد أن يفعل ذلك فليفعله في بلاده أو فيما يخصه وفي حدود ما وسد أمره في بلاده، أما في حرم الله الآمن فعلى ضيوف الرحمن أن يحترموا شعائر الله «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب»، والحقيقة أن شعوب العالم الإسلامي أصبحت أكثر وعيا بهذه القضية تحديدا، ورغم التحديات الجسام التي يعاني منها العالم الإسلامي إلا أن تكرار مثل هذا العبث في البيت الحرام استغلالا لمشاعر السخط بين المسلمين تجاه بعض المظالم أصبحت لعبة مكشوفة بالفعل، فالذين يتاجرون بهذه الشعارات والهتافات والتظاهرات في حرم الله الآمن لا يجعلون هموم المسلمين مقصدهم ولا الدفاع عن مصالح المسلمين همهم، بل لا أبالغ إن قلت أن مثل هؤلاء والجهات التي يأتون منها هي أحد أهم أسباب مشكلات العالم الإسلام وتمزيقه وإثارة الفتن فيه، ولم تقدم تلك القوى أو الدول أي عون يذكر للأمة ومصالحها، ولم تبذل أي جهد إيجابي لصالح وحدة الأمة أو نهضتها أو دعم مصالحها المشتركة على المستوى الدولي، وإنما المسألة كلها عند تلك الدول أو القوى الإقليمية مجرد متاجرة بالأحداث وتصفية حسابات لمشاكل تلك الدولة أو غيرها مع قوى عالمية على حساب أمن المسلمين ومشاعرهم المقدسة، الأمة أصبحت أكثر وعيا بمثل هذا الابتزاز السياسي لموسم الحج، وبالتالي أكثر رفضا لهذا العبث بالبيت الحرام والمشاعر المقدسة، وعلى أصحاب تلك النزعات أن يدركوا خطورة هذا العبث من جديد، وعلى الأمة أن تتضامن مع حكومة المملكة في موقفها الصارم لردع أي عبث من هذا النوع.