الشباب يبحثون دوما عن العمل للخروج من محيط البطالة، باللجوء إلى القطاع الخاص، باعتباره المكان الرحب لاستيعاب العمالة الوطنية، خصوصا الشباب المؤهل والمدرب ومن يحملون الشهادات في مختلف التخصصات، ولكن هناك من يحبط هذه المحاولات عن سبق إصرار وترصد تحت ستار اتهامات غير حقيقية، بغية تطفيشهم وإحلال الوافدة، حيث تترصد «المحسوبية» و«الشللية» بالشاب لإفساح المجال أمام غيره وغالبا ما يكون من هم أقل خبرة، أو بدون شهادات علمية، لكن لديه رصيد من الثقة والمحاباة. المزاجية تلغي مديرا عزمي الحربي يروي تجربة امتدت لتسع سنوات وصل فيها إلى منصب مدير منطقة، يقول: حينما توجهت للعمل في القطاع الخاص تمنيت أن أثبت جدارتي ومواهبي في تحقيق المنجزات سواء لي أو للجهة التي أعمل لديها، وبالفعل عملت بكل طاقتي وتدرجت في المناصب حتى وصلت إلى وظيفة مدير منطقة وحققت نجاحا أدى إلى تحقيق أرباح ومدخولات لجهة عملي، وحصلت على خطابات شكر وتقدير ودروع، لم يكن بينها ما يشير إلى تقصير أو لفت النظر.. بل توجت جهة عملي ذلك بأن أبتعثتني على حسابها للدراسة في كندا وعدت بتفوق حيث واصلت العمل بنفس الحماس. واستطرد الحربي: شعرت بانتماء كبير إلى عملي، وظننت أنني أعمل ولم أتصور يوما أن القطاع الخاص لا يؤمن جانبه وأنه خاضع للمزاجية، ولكن فجأة انقلبت هذه الحقائق، وأيقنت أن الأمور تسير دون معيار و بصورة عمياء لا فرق بين الصحيح والخطأ، وعليه تعرضت لإجحاف وضير بلا وجه حق ونسيان جهودي السابقة والسبب «المحسوبية» التي تلغي (ابن البلد) لتضع مكانه عاملا. وليست هذه قضيتي بقدر صدمتي تجاه التعامل معي بصورة لا استحقها، ما جعلني أقف في حالة ذهول تام. كنت أعتقد أن الشركة بيتي ولم أتوقع أن يكون موقف مسؤوليها بهذه الصورة التي فجعت الموظفين عموما الذين كانوا يعملون تحت إدارتي، وكانت النهاية كما أرادت الشركة، جاءني خطاب الاستغناء دون أن يتضمن أي مبرر أو يحدد مخالفة ما، كل ما في الأمر أنهم طلبوا مني تدريب وافد على طبيعة العمل وبعد أن أكملت تدريبه مع الأسف، وضعوه في موقعي وبمرتب يفوق مرتبي ثم قرروا الاستغناء عني. وعلى حين غرة طلبت إدارة الشركة مني استلام خطاب الاستغناء، فرفضت استلامه ريثما يبت مكتب العمل والعمال في الأمر. التهام للحقوق وفي الاتجاه نفسه يقول مهند السريحي: عملت في فندق وكنت حريصا على مواصلة العمل لأنني تمنيت العمل في الفندقة، لكن للأسف ظهرت «المحسوبيات» التي تبعد الشاب، وتأتي بالوافد في نظام عكسي لإحلال الوظائف بدون معايير علمية، وإنما يكفي أن يكون هناك قريب أو صديق لكي يشفع للقادم بالعمل ويطرد الشاب مهما كانت مؤهلاته وقدراته.. إنها مؤامرة مبيتة أصلا عرفتها من البداية، إلا أنني كنت أريد معايشة الوضع، ومع ذلك قرروا فصلي وبلا أي حقوق، كما أنني نويت التوجه للجهات المختصة لمقاضاتهم، لكن أكرمني الله بفرصة الابتعاث، وسوف أسافر إلى أمريكا لدراسة الهندسة، ما جعلني أتجاهل الأمر بلا حسرة. الشاب أيهاب محمد اليحيوي (27 عاما) لا زال يشعر بمرارة التجربة التي عاشها في القطاع الخاص ويقول عنها: عملت لمدة أربعة أعوام متتابعة وصلت فيها لمنصب مدير لفرع شركة في القطاع الخاص إلا أن مدير العمل الوافد خطط لأمر آخر تجاهي، فمن خلال تلميحاته، ومضايقاته، شعرت أن هناك من يترصد بي بين لحظة وأخرى.. ثم اتضحت الحقيقة، وهي أن لهذا المسؤول قريبا يريده مكاني. وفي ظل هذا المناخ غير الصحي لم أتردد في تقديم الاستقالة والانسحاب، طالما أن الأمور لا تسير بالصورة المريحة، والحقيقة المرة الأخرى أنني أكتشفت أن مستحقاتي لا تتجاوز (293 ريالا فقط)!. رغم كل شهادات التقدير، الثناء، والتكريم طيلة أربعة أعوام، كانت النهاية الدرامية.. لقد نسوا كل شيء لمجرد أن هناك من خاف أن أتدرج وأحتل مكانه في الشركة، إنها المزاجية لا أكثر ولا أقل. رتبت المؤامرة ليلا التطفيش الذي تعرض له أحمد موسى الزهراني (28 عاما) يرسم صورة أخرى، حيث يقول: نقلتني الشركة التي أعمل فيها إلى فرع آخر من فروعها، وعندما تسلمت مهامي وجدت نقصا في رصيد البضائع المسجل، وأن هناك فرقا بين ما هو مدون في السجلات وبين الموجود فعلا، وسارعت بإبلاغ الشركة عن ذلك النقص الكبير، ولكن جاء الرد بأن استلم العمل في الفرع الجديد، وترك هذا الموضوع إلى وقت لاحق، وبعد فترة وجيزة استدعتني الشركة للتحقيق في المخالفات التي سبق أن أبلغت عنها. بالرغم أنني أنا الذي أبلغت عن الوضع قبل استلامي للعمل، ومع أن التحقيقات أظهرت براءتي إلا أنني تضررت من الاتهام وترديد هذه التهمة صراحة وعلنية لي ولزملائي، ولجأت إلى الجهات المختص لإنصافي مما لحق بي وبسمعة زملائي من اتهامات باطلة، عندها قرروا إيقافي عن العمل ما لم أسحب القضية وكان ذلك في شهر رمضان الماضي. ويستطرد الزهراني لا زلت مصرا حتى الآن على مواصلة الشكوى والبحث عن حقوقي، وأنا أثق تماما أن أنظمة التوظيف لدى القطاع الخاص تضمن لي تلك الحقوق وإن المسألة ليست كما يتوقعها الكثير بذلك الشكل العشوائي الذي يوظفني فيه مسؤول مؤسسة أو شركة متى ما شاء ثم يفصلني متى أراد. تجربة الصيفية ويقول أحمد سعيد مصلي (26 عاما) من فضل الله أن منحني فرصة العمل لدى القطاع الخاص في فترة الإجازة المدرسية، حيث كنت ممن يستغل الإجازة للعمل من خلال برنامج مكتب العمل والعمال، وبالتالي لا أذكر أية أجازة قضيتها بلا عمل، هذه التجربة جعلتني أعايش الوضع عن قرب وأشاهد معاناة الشباب، وأنا لا أتحدث عن الشباب المستهتر، وإنما الجادين، وممن يحتذى بهم في الحرص على العمل والدوام والإنتاجية، وهذا ما يحرص عليها القطاع الخاص. ولكن من خلال تجربتي لاحظت أنه بالفعل هناك صور للتطفيش، بل هناك محاولات للإساءة إليهم. ويسترسل مصلي: كنت أعمل في صمت بالرغم أن الكثير من العاملين معي يحاولون الخسف بالمكافأة الضئيلة التي أحصل عليها. هذا الوضع جعلني لا أفكر مطلقا بالتوجه للعمل في القطاع الخاص، وخاصة أنني لست ممن لدية نفس طويل في تقديم الشكاوى، والحمد لله لقد رزقني الله بوظيفة حكومية أعتز بها وأفتخر بما حققت لي من اطمئنان وراحة بال.