المداومون على متابعة أسواق الكتاب العربي، وخاصة أولئك الذين يتابعون معارض الكتاب حيث الجديد والطريف والمثير والبعيد عن العين والخاطر، يلاحظون إقبالا متجددا من القراء والمشترين على كتب التراث والكتاب القديم بشكل عام، وهذه ملاحظة متكررة، أيا كان المكان، فهو ما تجده في معرض الرياض أو معرض القاهرة أو معرض دمشق أو معرض الدارالبيضاء، إقبال الناس دائما على القديم، وقلة قليلة من الكتب الجديدة التي تجذب القراء وتلفت انتباههم أو تجبرهم على إخراج المال من جيوبهم للشراء، فما هو السبب في هذه الظاهرة، أتصور أن الأمر لا يعود إلى كلف الناس بالقديم أو أن الذاهبين إلى معارض الكتب يتصورون أنهم يذهبون إلى سوق «الأنتيكات» والتحف القديمة، بقدر ما يتعلق بإدراك الناس أن المؤلف القديم كان أكثر جدية وأصبر على الفكرة وأعمق علما من المؤلف الجديد، وأن الفائدة العلمية أو الفكرية التي يجنيها القارئ من الكتاب القديم أعظم كثيرا من أي قيمة فكرية أو علمية للمؤلفات الجديدة، وربما ينسحب التقدير على الكتاب أنفسهم، وهي ملاحظة شديدة السلبية في حركة الفكر وتناميه قبل أن تكون مؤلمة لنا معشر الكتاب والمؤلفين، ولا يمكن أن نلقي باللوم على القارئ، لأن القارئ ليس في خصومة معنا بالأساس، وهو يبحث عن ما يفيده أو يضيف إليه، فإذا كانت الإضافة تأتيه دائما من القديم، ويعجز المعاصرون له عن إضافة الجديد له أو تنويره فهذه مصيبة، والحقيقة أن الكثير المستفيض مما نراه في سوق الكتاب هذه الأيام لا يبشر بالخير، ولا يعطي انطباعا عن جدية في حركة الفكر، أصبحت العناية أكثر بغلاف الكتاب وعنوان براق أو جذاب يبيع من خلاله الصفحات التالية له وإن كانت فارغة، وهذا اللعب على القارئ بالعناوين البراقة ولغة الإثارة في أغلفة الكتب قد تفيد مرة أو مرتين غير أن القارئ مع الوقت والتجربة سيمتلك حصانة فطرية تجاه هذا التسويق السهل والضعيف، نحن اليوم أمام أجيال من المؤلفين والكتاب لا يحترمون القارئ ولا يحترمون الثقافة الجادة، هناك فوضى حقيقية في عالم الكتاب، ولا أظن أن كثيرين يختلفون حولها، وإن كان الأهم الآن هو البحث عن مخرج من هذا الانهيار، لأن الكتاب، رغم كل المنافذ والمنابر الأخرى للثقافة الجديدة، بما فيها الانترنت والفضائيات، يبقى هو الممثل الشرعي الأول للثقافة الجادة والفكر العميق، وأتصور أن هناك ضرورة لنشأة مؤسسات عديدة لرعاية حركة التأليف في العالم العربي، سواء كانت مراكز نشر غير هادفة للربح يشارك فيها رجال أعمال وحتى بعض الجهات الرسمية، خاصة الجهات المتماسة مع شؤون الثقافة والتعليم والإعلام، أو من خلال إنشاء مؤسسات رعاية للمواهب الفكرية الشابة والكتابات الجادة، والخبرة المكتسبة هنا تؤكد أن رصد الجوائز المهمة أحد عوامل تنشيط الفكر الجاد والبحث الرصين، فلماذا لا يتم التوسع في إنشاء الجوائز المتعلقة بالكتب الجديدة الجادة والرصينة، على كل حال، الكتاب العربي في أزمة، وكلنا مدعوون للبحث عن مخرج منها. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 110 مسافة ثم الرسالة