لا أظن أن هناك أحدا لم يتناول التعليم بنقد في وجه من الوجوه، فقد نقده المختصون وغير المختصين، المتعلمون وغير المتعلمين، الجميع يظنون أن من حقهم نقد التعليم بل يعتقدون أنهم قادرون على تشخيص علله متمكنون من تحديد جوانب الضعف فيه مؤهلون لاقتراح ما يرونه إصلاحا له، فالتعليم بات لا حرمة له، مرعى مشاعا كل من أراد رعاه.. وفي المقابل صار كل من أراد أن يكسب فضلا بين الناس، يدعي أنه من المؤيدين لإصلاح التعليم الداعين إليه، وسواء كان من أصحاب المؤسسات التعليمية أو من العاملين في مجال التعليم أو من الذين لا يربطهم بالتعليم رابط، الجميع يتأبطون قائمة بأدوات الإصلاح يتداولونها بينهم وتتكرر تلاوتها على ألسنتهم، فالإصلاح عندهم يعني أن يحمل كل طالب لاب توب في يده، وأن يكون التدريس باللغة الإنجليزية وأن يطبق في المدارس منهج أجنبي أو على أضعف الإيمان أن يكون المنهج خليطا من المحلي والأجنبي. إصلاح التعليم بهذه الصورة ما هو إلا تخبط حائر، وسير في طريق مظلم بلا هدى، فإصلاح التعليم ليس مجرد إدخال التقنية أو توفير جهاز لاب توب لكل طالب كما تتباهى بذلك بعض المدارس الخاصة، ولا هو مبنى حديث وفصول صحية مريحة، كما أنه ليس مجرد إتقان للغة الإنجليزية أو تطبيق لبرامج أجنبية. إصلاح التعليم أعمق من ذلك كله، هو في جوهره يبدأ من القاع، من الأساس الذي تبنى عليه جميع المظاهر التعليمية، فهو يتجسد في صورة أهداف تربوية وغايات عظمى ينتظر من التعليم أن يحققها. فالأهداف الصالحة هي أساس التعليم الصالح، وحين لا تكون هناك أهداف تربوية عليا واضحة ومحددة فإن التعليم يظل يتأرجح في مهب التغيرات غير المجدية. فما أهدافنا التربوية؟ ما الذي نؤمل بلوغه من وراء ما نقدمه لطلابنا وطالباتنا من التعليم؟ ما نوع الطلاب والطالبات الذين نريد من التعليم أن ينتجهم لنا؟، إن المرجع الرسمي الذي يمكن له أن يجيبنا على هذه التساؤلات هو (سياسة التعليم) المتضمنة للأهداف التربوية كما هي في صورتها الرسمية. فماذا نجد في تلك السياسة؟، إننا لا نجد سوى أهداف عامة فضفاضة تغلب عليها التعبيرات الإنشائية مثل (إعداد المواطن الصالح) (الفرد المؤهل) (خدمة الوطن) (تنمية الأخلاق الفاضلة)، لكنها لا تطرح معاني محددة ودقيقة للمراد بتلك الأهداف، ولا تطرح خطة واضحة أو استراتيجيات معينة كي تتبع لتحقيقها. وحين نبحث فيها عن تحديد السمات العامة التي ينتظر من التعليم أن يكسبها للطلاب والطالبات، لا نجدها تحتوى شيئا من ذلك. كما أن هناك أهدافا أخرى تتطلبها الحياة المعاصرة ويتوقع أن تكون بين الأهداف التربوية مثل إكساب الطلاب مهارات التعايش الإنساني، والحفاظ على الوحدة الوطنية والأمن القومي، واحترام حرية العقل وبناء التفكير المستقل، واحترام مبادئ التعامل الديمقراطي أو التشاوري، والإيمان بضرورة تنمية ملكات التأمل والنقد. إلا أن (سياسة التعليم) لا تنص عليها ولا تدرجها ضمن أهداف التعليم الكبرى، وما لم تعد سياسة التعليم صياغة أهدافها التعليمية بدقة ووضوح وتضمنها احتياجات العصر مراعية التغييرات الطارئة على الحياة، فإن أية محاولة لإصلاح التعليم ستبوء بالفشل وستكون في محاولاتنا لإصلاح التعليم عالة على الغير، نقتبس ونقلد لنكون في النهاية، كغراب كليلة ودمنة. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة