ندرك أهمية التربية والتعليم وتأثيرها في بناء الأجيال المستقبلية .. كما ندرك مدى الحاجة الملحة في ضرورة المراجعة المتواصلة للسياسات التعليمية وأهدافها . وهو المسلك الذي تنهجه المجتمعات التي تحرص على بقائها في سلم الريادة الدولية من خلال التقارير والدراسات والإحصاءات الشفافة التي تعتمدها . وما حمى سبوتنك و التقرير الأمريكي المؤطر بعنوان ( أمة في خطر ) والتقارير المتعددة التي رسمت مسار التعليم في الأمم الغربية والأممالشرقية الصناعية معا الإ صورة من هذا التوجه . يقوم بذلك الجهد نخبة من رجال الفكر التربوي القادرين على الموازنة والمعالجة والانتقاء . في عصر يتسم بسرعة التغيير و التأثير على سلوكيات الناشئة . وتضاعف حجم المعلومة وتنوع مصادرها . ونشاط المنافسة بين تلك المصادر لصناعة المعلومة التي غيرت من حجم المعرفة . في ظل ذلك .. ونتيجة للمتغيرات والأخطار التي أحاطت بالمجتمعات كافة وبمختلف المستويات إحاطة السوار بالمعصم . وللمنافسة غير المتكافئة بين المؤسسات التعليمية الرسمية وبين تلك المصادر . تطلب الأمر النظر بجدية لمسار التعليم في مدارسنا وذلك من خلال جملة من الوقفات أبرزها . أ- النظر في مستوى الأهداف في مراحل التعليم العام. فالأهداف التعليمية تمثل المخطط الشامل لمسار العمل التربوي والتعليمي. وكلما كانت الأهداف واضحة ومحددة ومتطابقة مع الواقع وحاجة العصر القائم والمستقبلي كلما كانت جيدة ومنتجة . والسياسة التعليمية لمراحل التعليم العام في المملكة اشتملت على جملة من الأهداف التي سيرت العمل التربوي والتعليمي عقودا من الزمن حققت خلالها تعليما ناجحا. لكن المراجعة والتقييم لمستوى التعليم مطلبا ضروريا في عصر تغيرت فيه كثيرا من المفاهيم وتجددت المطالب وتأثر التعليم بالمتغيرات. لذا لابد من رسم جملة من الأهداف التي تلبي مطالب العصر مع الإبقاء على البنود الراسخة. فمن الأهداف المطلوب إضافتها لمراحل التعليم العام: - تعريف الناشئ بعظمة خالقه تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وعظمة تاريخه الإسلامي وتأهيله من خلال أساليب جديدة أبعد ما تكون عن الإملاء . إذ تقوم على التعلم الذاتي وأساليب العصف الذهني ليكون محصنا ذاتيا من كل التيارات التي تحاول النيل من مجده الإسلامي وتعريفه بواجباته تجاه وطنه مجتمعه المفتوح . - تدريب الطالب على الاكتساب الذاتي للمعلومة وطرق ذلك والتفاعل معها بإيجابية بدلا من حفظها وتأهيله على مهارة التعليم المفتوح المستقل والمحصن من جملة من المصادر. - تدريب المتعلم على التفاعل مع المتغير تفاعلا لا يذيب هويته ولا يجعله منعزلا عن المجتمع العالمي المحيط به. في عصر ذابت فيه وسائل الصد والرقابة الرسمية. - إكسابه المبادئ الأولية للمهارات والحرف الأساسية المعاصرة والمتجددة التي يتطلبها العصر الراهن والمستقبلي من خلال الجهد المتواصل لاستشراف المستقبل وتوظيف ذلك في برامج الأنشطة المدرسية للمرحلتين المتوسطة والثانوية. - تدريب الطالب على القدرة على التفكير المستقل وعلى إنشاء الحوار الهادف والموضوعي. - تدريب الطالب على مهارات الاتصال والتواصل مع الغير بروح مستقلة تستمد مقوماتها من الثقة والاعتزاز بالنفس. - تدريبه على الاعتزاز بهوية الأمة والحفاظ على مقدرات المجتمع من خلال برامج مهنية عملية تتضمنها برامج الخطة الدراسية. - الخطط والأنشطة . تمثل الأنشطة الشق الثاني في التأهيل والتوجيه وفي بناء الخبرات . ولعل مما يؤخذ على تعليمنا اهتمامه بالمهارات المعرفية على حساب التطبيق العملي الذي يهيئ المتعلم على التفاعل الإيجابي مع سوق العمل بمختلف المجالات . ومن المؤكد بأن تنفيذ هذا الأسلوب يحتاج لإمكانات ومهارات للكوادر التدريبية ووقت مفتوح يتواءم مع الخطة الدراسية , لكن توفير ذلك يتم من خلال مجموعة برامج النشاط المفتوحة ومن خلال مساهمة القطاع الخاص في فتح مؤسساته الصناعية والتشغيلية لبرامج التعليم . وتوفير مجالات يمكن استثمارها في تدريب طلاب المراحل العليا والمتوسطة بالتعليم العام . كما أن رسم برامج النشاط وتجدد جداولها ومكوناتها والاستعانة بالمتخصصين للتدريب والتطبيق عامل نجاح من خلال توفر الخبرة وتقليل من حجم التكلفة . -الإعلام التربوي ودوره في البناء والمعالجة . يعتبر الإعلام صنو التعليم في الرسالة والأهداف. إضافة إلى أن الإعلام يقوم بدور إضافي يتمثل في إبراز معالم الصورة ومخاطبة جمهور أوسع مستهدف باستيعاب الرسالة أو استخلاص المباركة والتأييد لمجمل الخطط والجهود المرسومة. وإذا كان الإعلام قد أدى رسالته على خير ما يرام فإن الأمل بمزيد من الجهد يتواءم وطبيعة المرحلة الراهنة المتصفة بعصر التميز الإعلامي . فهو مدعو لشرح وجهة نظر المؤسسات التربوية في القضايا التي يناقشها المجتمع وإبداء التفسير الصحيح لمكوناتها من خلال المفاهيم الصائبة وتحديد دور الظروف ومتطلبات العصر. ونفي كل التفسيرات والمغالطات التي تطرحها الاجتهادات الذاتية والآراء غير الناضجة والدخيلة على مقام التعليم فهل من إستراتيجية متجددة للعمل الإعلامي مصحوبة بخطة إجرائية للتنفيذ ومدعومة بإمكانات كبيرة وملائمة لحجم تلك المهام. التقييم لكل الخطط المطروحة ومعرفة مستوى المسار . الخطط والبرامج والأنشطة التي تتبناها المؤسسات التعليمية جمة وتنبئ عن رغبة وإصرار على التطوير ومحاولة مغادرة الواقع الروتيني. لذا نجد غالبية فروع وزارة التربية والتعليم تحتضن برنامجا أو مشروعا تربويا أو أكثر. وتسعى إلى تعميمه وانتظار نتائجه بوقت قياسي. ورغم أن ذلك جانبا إيجابيا ومطلبا ضروريا يتلاءم وطبيعة المرحلة الراهنة إلا أنه لابد من الاهتمام بالدراسة الشمولية والمتأنية التي تتكئ على الإلمام بالحاجة والظروف الإمكانات وتعتمد على عنصر التقييم مع كل مرحلة لاعتبارات عدة. في قائمتها ثقة المجتمع. أن التقييم يحقق للمشروع الطريق الميسور ويساعد على تجاوز كل المعوقات كما يسهل إمكانية الفرز والفلترة لكل المقترحات. - تقييم جدوى وفاعلية زيارات بعض منسوبي الوزارة الميدانية. المراقبة والمتابعة للخطط والأنشطة مطلبا لنجاح تلك الخطط حيث تعمل على توضيح المبهم وشرح الهدف ونقل الخبرة وتصحيح الخطأ. لكن إذا جاءت تلك الزيارات روتينية وتناقش أمورا واضحة يستطيع كل في الميدان إدراكها وتنفيذها فإنه ينعكس أثر تلك الزيارات سلبا على الميدان. فماذا يرجى من زيارة مشرف من الوزارة للمنطقة ليقوم بتوزيع أوراق أو لمتابعة عمل روتيني يمكن لأي شخص في الميدان تنفيذه. إن ذلك يوحي للراصد بضعف الثقة بمن في الميدان أو يعطي تفسيرا آخر ... إن الزيارات الميدانية من منسوبي الوزارة التي تقوم على تنفيذ مهام إجرائية يجب أن تخضع لخطة عمل وتقييم جدوى. إذا استثني من ذلك شرف زيارة كبار المسؤولين التفقدية. - ضعف الاهتمام بالمفاهيم التربوية وأثره على متطلبات العمل . من الشروط الأساسية لجدوى وفاعلية أي برنامج مقترح أو منفذ التحديد الدقيق والجلي لمصطلحاته سواء للمنظر أو المنفذ. ولعل من أسباب ضعف مخرجات بعض الأنشطة المنفذة يتمثل في عدم وضوح المفاهيم والدلالات لتلك الأنشطة أو البرامج. ولنأخذ على سبيل المثال برامج النشاط التي تنفذ في أكثر من موقع ويبذل لها كل الإمكانات لنقف أمام مصطلح النشاط ماذا يعني لدى بعض منفذيه . قد يكون مدرك لدى المسؤول والمخطط في الوزارة ولدى بعض المشرفين في المناطق التعليمية لكنه قد يخفى عند بعض ممارسيه وبالتالي يأتي مرتجلا خاليا من الحماس. وكذا مصطلح تقنيات التعليم الذي يتداخل في مفهومه مع الوسائل التعليمية دون ربط ذلك بأسلوب النظم الذي له تأثيره في تغيير معالم الصورة وتحقيق التعليم المتميز. بل أن المنهج الذي يمثل ساحة التعلم لا يزال مفهومه ومكوناته غامضا لدى بعض المعلمين في مختلف المراحل التعليمية والذين يقومون بتطبيق أسسه فلا يزال محصورا على ما بين دفتي الكتاب المدرسي. والأمثلة على تفاوت الفهم للمفاهيم كثيرة. - النظر إلى مستوى بعض المعلمين والأسباب. شرح ذلك يطول ويحتاج لمناقشة خاصة مستفيضة تتناول مواطن الضعف وتأثير الإمكانات وبرامج ومناهج الإعداد والتأهيل والاختيار وتشمل قطاعات أخرى خارج الوزارة تشارك في الإعداد والتأهيل. ولعل في خطة وبرامج الوزارة المرسومة للمستقبل ما يعالج جزءا من المشكلة والتي منها العمل ببرنامج تحديد الكفايات الأساسية لأداء المعلم. - الحاجة إلى دليل أو قاموس تربوي معتمد من الوزارة كمرجع لكل المفاهيم التربوية سبق الحديث عن أهمية تحديد المفاهيم التربوية وأثر ذلك في نجاح البرامج والأنشطة في عصر المعلومة. ولعل من طرق معالجة هذا الأمر تبني واعتماد وزارة التربية والتعليم دليل أو معجم تربوي يحدد ومن خلال الدلالة والمثال بعض المفاهيم المتداولة خاصة تلك المرتبطة بشكل أساسي ببرامج الوزارة وخططها بحيث يحول دون الاجتهادات الخاطئة ويسهل الرجوع إليه عند رسم البرامج وكتابة التقارير وتحكيم الجهود. كما أنه لا بد من عناية المنهج الموجه للطالب بالمفاهيم الأساسية في الحياة بمختلف مكوناتها بدءا من البيئة وانتهاء بالمهارات العملية وبجوانب الترفيه. - مستوى التدريب التربوي وممارسته في المناطق التعليمية. التدريب يعني في أحد أهدافه ومهامه التواصل مع الصورة النموذجية المطلوبة. فهو يقوم على إصلاح الخلل والتأهيل لمستجدات العمل التربوي وتدعيم برامج التأهيل أثناء الخدمة والمتابع لأنشطة التدريب التربوي يجد أنها متواصلة وتغطي مختلف جوانب العملية التعليمية من خلال رسم واعتماد مجموعة برامج قصيرة أو متوسطة. ورغبة في تفعيل وتوجيه تلك الأنشطة والبرامج بصورة مثالية يمكن تقييم مسارها من خلال النظر في الكوادر التي تعمل على تنفيذها. حيث أنه ومن خلال النظرة الميدانية نجد أن بعض من يقومون بالتدريب يحتاجون للنظرة الشمولية حول الأهداف وخطة العمل والتعامل مع المعلومة بحيث تكون هذه البرامج التدريبية مبعثا للجدية وتحقيق الفائدة. إن من عوامل تحقيق النجاح والفاعلية في برامج التدريب تخصيص وتأهيل كوادر منتقاة في المناطق وتدريبها ورسم خيوط تواصل بينها وبين الإدارة العامة للتدريب بالوزارة وإسناد مهمة التدريب لها وفق اختصاصها. أو الاستعانة بجزء من المهام بالكوادر الأكاديمية المتميزة في المناطق أو بالمكاتب الاستشارية التي يتوفر فيها كوادر خاصة بالتدريب. - تفعيل ميثاق المعلم والعمل بسنة التجربة. كانت هناك حرصا من الوزارة خططا لتنفيذ برنامج ميثاق المعلم والالتزام ببنوده بما يحفظ للمؤسسات التربوية وللعاملين بحقل التربية والتعليم حقهم ولكن لا نزال بانتظار هذا الجهد المبارك الذي ينصف كافة الأطراف . - جهود الميدان في البحث العلمي. البحث العلمي هو بوابة التغيير ومنفذ التطوير. وهناك علاقة تكاملية بين البحث التربوي وتطبيقاته واستثماره وبين مستوى التعليم وممارساته في الميدان. وإذا كان هناك وكالة مساعدة للبحوث التربوية في الوزارة - حسب تصوري -ومكاتب تمثلها في المناطق التعليمية فإن العلاقة التكاملية بينهما لا تتجاوز الإجراءات المكتبية من جمع بيانات وتمرير قرارات فلم نشاهد تفعيل جهد الباحث التربوي في الميدان بحيث يمثل الوزارة في مناسباتها العلمية. ومن ذلك ضعف مشاركة بعض المعنيين بالبحوث والدراسات بالمناطق في مناسبات الوزارة والاستغناء عن ذلك بالأكاديميين وبعض المشرفين من الوزارة . أختم حديثي هذا بأهم وأبرز نقطة وهي النظر في حجم زمن الدراسة. فاليوم والعام الدراسي في خطة التعليم العام بالمملكة تعتبر من الخطط القليلة جدا على مستوى الوطن العربي والتي لا تغطي متطلبات الدراسة -- هذا إذا تجاوزنا الفاقد من العام الدراسي عند بداية ونهاية الفصل الدراسي - ويمكن الوقوف على كامل الصورة من خلال كتاب التعليم في الوطن العربي رؤية حول الواقع والمأمول لصاحب المقال . ولدراسة للدكتور عبد العزيز الحر عن مدرسة المستقبل مقدمة لمكتب التربية العربي لدول الخليج . أما نمط المناهج المعتمدة فهي تتواصل في التطوير وتبعث على الأمل وفي انتظار النتائج المأمولة. عبد الرحمن بن صالح المشيقح ص ب 1532 بريدة www.newarabedu.com