دقت الثامنة صباحا، 50 فتاة وشاب يتقاطرون إلى مسرح «سوق عكاظ»، سلاحهم الموهبة والإبداع، وهدفهم خوض تحد حي لتقديم تصميم، يصنع الدهشة ويلفت الأنظار، في ورشة المواهب السعودية لتصميم الإعلانات. حتى الساعة 8:29 صباحا لم يعرف المتسابقون عنوان المنافسة، هدوء يعم الصالة الجميع يترقب العنوان والشروط، حملوا أقلام الرصاص وأخرجوا حواسيبهم من بيوتها الجلدية والقماشية وأخرى اتوا بها على ظهر عربات نقل. يسدل أمين مسابقة «جوائر عكاظ للإبداع الإعلاني» الدكتور عبد الله بانخر الستار ويعلنها للجميع «القراءة» أصل الرقي وبداية المعرفة، مستندا إلى دعوة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة، رئيس مؤسسة الفكر العربي، بعد أن دعا أخيرا إلى ضرورة نشر ثقافة القراءة في الوقت الذي تشير فيه الدراسات إلى تراجع الاهتمام بالقراءة في العالم العربي. يفكك بانخر الفكرة ويبسطها ويقدم شروطها ويجيب على الأسئلة وأخيراً يعطي شارة بدء التحدي، وسريعا يتحول المكان إلى خلية نحل مع أعلان فريق التنظيم في «عكاظ» ان لكل متسابق حرية الجلوس في أي مكان وتلبية كل ما يحتاجه. وبدأ إشهار أسلحة الإبداع واختار المتسابقون مواقع متناثرة خارج وداخل القاعة في أقصاها وأوسطها وحتى عند مدخلها في الخارج، كل يبحث عن أجواء الإبداع التي يعشقها وتساعد في ترجمة ما يشعر به ويفكر به إلى عمل يأمل أن يصنع الدهشة ويحصد الإعجاب. لحظات تأمل تسود القاعة بأكملها البعض اختار النظر إلى سقف القاعة وآخرون يقلبون أقلام الرصاص في أيديهم، وبعض يمشي ذهابا وإيابا يقلب فكرة في رأسه، حتى انطلق التخطيط إما على الورق أو على الحاسب الآلي مباشرة. في الصالة الأخرى حيث المتسابقات كان الهدوء سيد الموقف، على طاولة الاجتماعات الكبيرة تناثرت الألوان والأفكار وحماس المنافسة، البعض منهم اختارت الجلوس على الأرض أو اللجوء إلى زاوية بعيدة للتفكير وكتابة عناصر. يتنقل الدكتور عبد الله بانخر بين المتسابقين موزعا ابتسامة الاستاذ مشجعا وداعما للمواهب السعودية الشابة، معلقا على ما شاهد: «أعيش حالة من الفرح والاندهاش، وطننا به الكثير من المبدعين، هؤلاء الشابات والشبان في هذا العمر المبكر يفكرون ويبدعون بهذه الطريق مؤشر يدعو إلى السعادة». يتوقف المتسابقون لاستراحة ويتبادلون أطراف الحديث، وينهمر المتبارون في التعليق على الورشة، وبين المشاركين الشاب عمر حسن صفطه الذي لم تمنعه إعاقته وخروجه من المستشفى قبل الورشة بليلة واحدة من أن يدخل التحدي. يتحدث عمر الذي يفضل زملاءه أن يخاطبوه بالمبدع وليس المعوق عن تجربته: «أشعر برغبة جامحة في المشاركة وساعدتني «عكاظ» في أن أقول ما لدي اليوم شاركت وما يهمني أن أسجل حضورا مع زملائي في مجال التصميم والإبداع»، ولا يخفي عمر أحلامه أمام زملائه: «أتمنى أن أقدم عملا فنيا أو أدبيا يخدم الأمة». في القاعة النسائية يتبادلن المشاركات الخبرة فيما بينهن، تقول أمجاد القثامي: «ساعدتني مسابقة «عكاظ» في الاطلاع على المزيد من الأفكار وساهمت ورشة عمل المواهب السعودية في مزيد من التواصل مع مبدعات وعلى قدر كبير من الثقافة وهذا سيخدمنا كثيراً لنطور أنفسنا». وفي الوقت الذي أتت فيه أمجاد لتشارك تعرفت على صديقتها الجديدة في مجال التصميم سحر قاضي التي لم تخفي فرحها بالتعرف على زميلات في الهواية «دائما ما أحاول البحث عن طريق الإنترنت عن مصممات سعوديات للتواصل معهم وكان هذا عمل شاق ولكن في هذه الجائزة جمعتنا «عكاظ»». تعلن سحر إعجابها بالتجربة الجديدة التي تخوضها: «أجواء التنافس خلقت شعورا مختلفا، الجو فيه حماس وإثارة ويدفعني إلى تقديم الأفضل». أكثر المشاركات توترا كانت عفت طيب والتي ساعدها فريق «عكاظ» في القسم النسائي على أن تتجاوز الرهبة وتنطلق في الإبداع مفسرة توترها: «لدي إصرار وتحد كبير لذلك أعطيت كل ما عندي خصوصا في هذه الأجواء التنافسية، هناك من خوفني من المشاركة ولكن يكفيني شرف التنافس». تدق الساعة الرابعة عصرا، موعد تسليم الأعمال المشاركة في المسرح حيث المتسابقين يرفع فادي يحيى القديمي (23 عاما) يديه إلى أعلى معلنا انتهاء المهمة وتقديم عمله مع ابتسامة عريضة متحدثا عن تجربته: «إحساس رائع أن تشارك مع هذا العدد من المصممين المبدعين، والهدف تقديم عمل جميل يشجع المجتمع على التحضر والرقي والقراءة». بجوار فادي يجلس متربعا على الكرسي حسن الزهراني (24 عاما) ينسخ عمله بعد أن أكمله متلهفا للكلام: «أهم من ما شعرت به اليوم في هذه المسابقة أن هناك من يشعرنا بأننا مقدورن في المجتمع ولنا احترام وتقدير وهذا يدفعنا إلى تقدم كل ما لدينا من أفكار، وابتكار الجديد لنثري المجتمع». ويؤكد الزهراني الذي خرج من القاعة وهو يدفع جهازه على عربة: «تعودنا أن نقضي ساعات نفكر ونصمم نعيد ونصحح، أما هنا التحدي حي وبوجود مبدعين وهذا محك حقيقي للمبدع». يتبادل المشاركون بطاقات الأعمال فيما بينهم مدونين عليها أرقامهم وعناوينهم الإلكترونية، إذ لم تسلم حتى هي من الأفكار والألوان التي يصفها بعضهم بال«مجنونة»، خارجين من «عكاظ» محملين بآمال الفوز وكسب التحدي. وهنا يعود أمين «مسابقة جوائز عكاظ للإبداع الإعلاني» الدكتور عبد الله بانخر للحديث وهو يودع المشاركين: «هذه المواهب قدمت أعملا لم نشاهد مثلها من قبل، بل أن بعضها يضاهي ما تقدمه وكالات الدعاية والإعلان المحترفة». ويرى بانخر أن الجوائز الثلاث التي رصدتها «عكاظ» للمركز الأولى 75 ألف ريال، الثاني 55 ألف ريال، و25 ألف ريال للثالث، ستساعد الموهوبين في تأسيس وكالة دعاية وإعلان، مضيفا: «وبذلك شاركنا في تشجيع المبدعين وساهمنا في نشر ثقافة الموهبة والإبداع». ويؤكد بانخر أن أعمالا قدمت تحمل عمقا واحترافية مذهلة على حد وصفه، مستطردا: «ستسفيد عكاظ والمؤسسات الإعلامية من هذه المسابقة التي ستقدم هؤلاء الشابات والشبان من أبناء الوطن». ويرى مستشار أمين عام مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع (موهبة) الدكتور عادل القعيد أن الخطة والاستراتجية الوطنية للموهبة والإبداع ودعم الابتكار التي أقرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أكدت على ضرورة تضافر مؤسسات المجتمع لتشجيع بيئة الابتكار والإبداع والاهتمام بالموهوبين. ويتحدث القعيد عن تجربة «عكاظ» بالقول: «هذه المبادرة ستجد صدى في مجتمع رعاية الموهبة والإبداع ودعم الابتكار، إذ يجب أن تقدم مؤسسات المجتمع مبادرات مماثلة ولا يقتصر الأمر على المسابقات التي تنظمها مؤسسة الملك عبد العزيز للموهبة والإبداع». وخلص مستشار أمين عام «موهبة» إلى أن «جميع هذه الجهود ستساعد في الدفع بالمجتمع السعودي إلى الاعتماد على اقتصادات المعرفة والتحول إلى مجتمع المعرفة».