طفرة يشهدها الإعلام الفضائي في تقديم قوالب فنية أكثر التزاما بالمعايير المهنية وتطور ملموس في أدوات الفنان الموهوب صاحب الرسالة ويبقى من أبرز الإشكاليات للحفاظ على الهوية الفنية التي نقدم هو مدى التزامنا بالضوابط الشرعية التي اخترناها من كوكبة المدارس الفقهية. المنطلق الذي تنطلق منه رؤيتنا لحقيقة فننا وعلاقته بالآخر الفني هو الذي يحدد اتجاهاته وشكله وجمهوره وأدوات تعبيره وهو المؤثر على الرؤية الفقهية التي نتبناها، ما يجعل السؤال اليوم أكثر إلحاحا حتى نتساوق مع ما يحدث من مرونة في الضوابط الشرعية للفن الإسلامي. هل فننا أصيل وينبغي أن يكون متمايزا؟ أم هو بديل عن السائد ومحاولة للمزاحمة في ذات المجال ومع نفس الجمهور؟ كل خيار له حدود اضطراره وتراتبية أولوياته ومساحات مقاصده ومآلاته، وهي مساحة برأيي لم تكترث لها الساحة العلمية ولم تتنبه لها الساحة الفنية فبدأت الفجوة تشكل بدايات انفصال. الخوض الفني في هذه المرحلة شكل إرباكا للشباب المحافظ فأعمال فنية تستهدف المنافسة كبديل تضطر لخيارات فقهية تجعله في حيرة بين رأي شرعي تلقاه ويعيشه وبين فن بعباءة إسلامية لا تلتزم به لأنها غير موجهة له، وهنا اقترح أن تنزع العباءة الشرعية ويقدم هذا الفن كما هو مجردا برساليته لذلك الجمهور أو الاعتراف الصريح بكونه خيارا فقهيا نتبناه عن قناعة وإيمان حتى لا نسوق ما لا نريد فبدل جذب الشباب إلى منطقة الأعمال الهادفة ندفع الآخرين إلى منطقة لا تتوافق وقناعاتهم حتى وإن كانت هادفة! حق لمن اختار رأيا فقهيا أن يحث الناس على التعامل مع أدوات فنه وحق لمن أراد مزيد محافظة أن يدفع الجمهور للسماع له ولرؤية تجربته لكن من المرفوض أن يتم تعمية خيارات فقهية ودفع الناس إلى أخرى بدعوى التفاعل مع الواقع فنحن خيار أصيل يتحدث عن نفسه من خلال هويته وسمته وروحه وعطائه ولسنا خيارا بديلا يريد أن ينافس فيضطر للخوض أملا في تكثير السواد. ولعل الأخ الشيخ مشاري العفاسي تعبير عن وجه من أوجه الرؤية المستقبلية لمشروع الفن الذي يستفيد من التقنية وتطور أدوات الفن ويوظفها لخدمة رسالته دون أن يضطر للتنازل عما هو مؤمن به كخيار فقهي أملا في زيادة المتابعين . لا ينقص الفن الهادف تماهٍ مع السائد الفني بل ينقصه إبداع تتقنه صنعة المتقنين الموهوبين وتقدمه في إطاره الشرعي المجرد محتملة آراء العلماء على اختلافها التاريخي. هي دعوة للفن الإسلامي الهادف ولكنها أيضا دعوة للوضوح أمام الجمهور في الهدف والشريحة المستهدفة وتبيان مطلوب حتى لا نسوق فنا جديدا وننسف فنا ارتضاه آخرون! * كاتب وإعلامي سعودي