الأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع، ومنها وفيها تزرع البذور الأولى لمستقبل المجتمع والوطن، ومن خلالها تتجدد المسارات الأساسية للجيل القادم وذاك يعني أن مصير الأبناء ليس فقط ملك أسرهم «الأب الأم» بل هو ملك المجتمع ككل لأنه بكل بساطة ينعكس على المجتمع في نهاية الأمر إما بإنتاج فرد فاعل ومساهم في بناء هذا المجتمع وإما بإنتاج فرد فاشل معيق للتطور المجتمعي هذا إذا لم يكن هادما له. تلك مقدمة نظرية كان لابد منها للدخول في مناقشة ظاهرة العنف الأسري التي أخذت تستشري في مجتمعنا وتحولت إلى ظاهرة تعقد من أجلها المؤتمرات والبحوث والدراسات. فرغم ادعائنا بأننا مجتمع «محافظ» والذي يفترض في أحد سماته الأساسية هو «التماسك الأسري» والاهتمام بالأسرة، ورغم ادعائنا وفخرنا بالقبيلة وذاك يفترض الاهتمام بالعنصر الأول فيها وهو «الأسرة» إلا أن العنف الأسري بشتى صوره الممارس في الأسر يتنافى تماما مع تلك الادعاءات كما يشير إلى خلل بنيوي يتطلب دراسة الأسباب الموضوعية الحقيقية والشاملة من أجل علاجها وعدم الاقتصار على رؤية الأسباب السطحية والبارزة للعيان. في مجتمعنا بالتحديد ما يخرج على السطح ويتم رصده ما هو إلا رأس جبل الجليد الغائص عميقا في البحر وذاك يعود لعدة أسباب أهمها التكتم الشديد بفعل «المحافظة» إياها على ما يجري داخل الأسرة حيث من الصعب على الشاب الحديث عن والديه بسوء ويذكر حقائق العنف الممارس ضده فما بالكم بالفتيات والزوجات المعنفات والمحبوسات بين جدران المنازل. يذكر الدكتور علي الحناكي مدير عام الشؤون الاجتماعية في منطقة مكةالمكرمة «أن المشكلة الرئيسية التي أدت إلى تزايد حالات العنف الأسري جاءت من فئتين الأولى فئة مدمني المخدرات وفئة المرضى النفسيين من أرباب الأسر، أما ما يتعلق بالأسر العادية التي لا توجد في أولياء أمورها هذه الصفات فقد يشكل الحزم والشدة والعنف في التعامل أبرز أسباب هروب الفتيات وتعرض أفراد الأسرة إلى العنف» المدينة 4/10/2009م، كما ذكر في نفس المصدر «أن هناك دراسة أعدها فريق برئاسة الدكتور محمد المطوع بتكليف من هيئة الأمر بالمعروف وأشرفت عليها عمليا جامعة نايف، وهذا الفريق جاب المحاكم والإمارات والدور لمعرفة أسباب العنف وتوصل إلى هروب أكثر من 1000 فتاة سنويا». ولنا أن نتصور هنا هذا الرقم في مجتمعنا الذي لا يرحم الفتيات وهن يعرفن أنهن إذا هربن من بيوتهن فذاك قضاء على مستقبلهن الأسري بل وحياتهن بالكامل ومع ذلك يهرب مثل هذا الرقم سنويا. لكن الأمر الآخر المهم هنا هو الأسباب التي ركز عليها الدكتور الحناكي وهي الإدمان والمرض النفسي التي ربما تصبح «عذرا مقبولا» لدى الشؤون الاجتماعية والمحاكم والمجتمع في تبرير الهروب، لكن جبل الجليد باتجاه قاعدته المغمورة هو ذاك الذي يمارس في المنازل من عنف لا يبلغ عنه ولا يخرج إلى العلن وربما لا تطاله الدراسات الميدانية نتيجة «لخصوصيات» الأسر. إن دور وزارة الشؤون الاجتماعية لمعالجة ملف العنف الأسري مهم بالتأكيد والتي منها افتتاح وحدات للحماية الاجتماعية في المناطق والمحافظات وحث الجمعيات الخيرية على افتتاحها وإعداد خطط إعلامية توعوية وتنظيم دورات وورش عمل للمختصين والعاملين في هذا المجال وغيرها، لكن الأكثر أهمية في هذا المجال هو الاستراتيجية الوطنية الشاملة لمعالجة هذه المشكلة والتي لابد أن تلعب وزارة التربية والتعليم دورا محوريا يشمل المنهج والمعلم ومراقبة حالات العنف المدرسي التي أخذت تبرز هذه الأيام. كما أنني أتفق تماما مع ما طرحته نائبة رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الاإنسان لشؤون الأسرة الجوهرة العنقري في ورقتها المقدمة في منتدى العنف الأسري حيث ذكرت «أن أبرز المعوقات تتمثل في عدم كفاية المعلومات إضافة إلى عدم كفاية المنظمات الحقوقية الدفاعية ذات الرؤية القانونية التشريعية والتفسيرات الخاطئة للدين، وسيطرة العادات والتقاليد والتناقض بين الأنظمة والتطبيق ونقص الوعي الديني التشريعي والقانوني لدى النساء والرجال، والنقص أو القصور في البناء المؤسسي» الوطن 5/10/2099م، وبالإضافة إلى هذا التشخيص السليم اقترحت العنقري مجموعة مقترحات أتمنى أن ترى النور منها: إصدار فتوى تجرم وتحرم العنف، وإنشاء هيئة عليا لمواجهة العنف تشمل «الداخلية، الصحة، الشؤون الاجتماعية، العدل، التربية والتعليم» وكذلك إنشاء مراكز معلومات وأبحاث في كل منطقة لرصد الظواهر الاجتماعية وإنشاء شرطة أسرية تستقبل حالات العنف، وتفعيل المحاكم الأسرية في مختلف مدن المملكة بعد وجود تشريعات واضحة، وإعداد مدونة لأحوال الأسرة مستمدة من الشريعة الإسلامية تحدد حقوق وواجبات كل فرد من أفراد الأسرة من الولادة حتى الوفاة. إن كثيرا من مشكلاتنا الأساسية وعلى رأسها محاربة الإرهاب والبطالة والفساد الأخلاقي وتخريب الممتلكات العامة والخاصة والسرقات وغيرها الكثير مرتبط كل الارتباط بقضية العنف الأسري الذي نتمنى معالجته استراتيجيا. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة