منذ أكثر من عشرين عاما وأنا أكتب باستمرار عن موضوع قبول الطلاب والطالبات في الجامعات السعودية، وأن هذه المسألة يجب أن تشكل أولوية قصوى لكل المسؤولين في بلادنا نظرا لحساسيتها الشديدة وانعكاساتها على الداخل وتأثيراتها في كل أسرة ثم في المجتمع بأسره. تحدثت آنذاك ومازلت أتحدث عن أن الطلبة الذين لايقبلون في الجامعات ثم لايجدون عملا قد يصبحون قنابل موقوتة في يد هذا الفريق أو ذاك، وأنهم مؤهلون لكي يصبحوا مجرمين بطريقة أو بأخرى؛ لأن الشاب العاطل يستحيل أن يبقى ملازما لبيته، عالة على أبيه، فلابد له أن يتحرك بحكم طبيعته وهنا تتلقفه الأيدي الشريرة، وعندما تضغط عليه الحاجة قد يستسلم وهنا مكمن الداء. أعرف أن هذا ليس حال الجميع لكنه بالتأكيد حال الأغلبية، ومن هنا كنت ومازلت أتحدث في كل مناسبة عن أهمية قيام الجامعات بواجبها في قبول كل الطلاب بغض النظر عن المكان الذي يتم قبولهم فيه. والآن وقد أصبح عندنا أكثر من عشرين جامعة بفضل توجيهات خادم الحرمين الشريفين ومساعي معالي الوزير الطيبة كان ينبغي تجاوز كل الأزمات المتعلقة بقبول الطلاب والطالبات التي كانت موجودة قبلا، ولكن الذي أراه أن هذه الأزمة لاتزال قائمة وبصورة مزعجة. وبحسب معلوماتي التي بنيتها من خلال زيارتي لمواقع أشهر الجامعات السعودية فإن هذه الجامعات لم تقبل إلا أعدادا قليلة من جملة الأعداد التي تقدمت لها. وكنت أعجب من بعض هذه الجامعات التي لم تقبل إلا الذين تجاوزوا نسبة 84 في المائة من النسبة الموزونة، مع أن أعداد هؤلاء قليلة جدا قياسا لأعداد الخريجين، فأين يذهب بقية الطلاب؟ أليس من حقهم أن يكون لهم مكان في الجامعة؟ كنت أود من كل الجامعات أن تفعل ما فعلته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فقد ذكر معالي مديرها وبحسب صحيفة «الرياض» الصادرة يوم 10 شوال 1430ه أن الجامعة زادت أعداد الطلاب المقبولين بنسبة تتراوح ما بين 30 إلى 100 في المائة وذلك بسبب الإقبال المتزايد على الجامعة. وقد ذكر مدير الجامعة الدكتور سليمان أبا الخيل أن هذه الزيادات اتجهت إلى مجموعة من الكليات المهمة التي يرغبها الطلاب مثل: كلية الشريعة والطب والعلوم والحاسب الآلي والاقتصاد والعلوم الإدارية. وبحسب مدير الجامعة فإن الحاجة ملحة لخريجي كلية الشريعة خاصة في مجال الأعمال القضائية التي تحتاجها كل محاكم المملكة. ولعلي أشير هنا إلى أن هذه الحاجة تحدث عنها معالي الدكتور صالح بن حميد الذي قال: إن محاكم البلاد بحاجة إلى آلاف القضاة لكي يسدوا العجز الحاصل حاليا في المحاكم. وأعرف أن كل المآسي التي يتعرض لها المواطنون في كل المحاكم على اختلاف تخصصاتها سببه الرئيسي قلة القضاة، فهناك قضايا لاتنتهي إلا بعد سنوات، وأحيانا قد تصل الى الثلاثين أو الأربعين، يموت صاحبها وقد يلحقه بعض ورثته وقضيته لاتزال تترنح بين قاض وآخر. قد يكون هناك أسباب أخرى، منها عدم قدرة بعض القضاة على اتخاذ قرار صائب في الوقت المناسب، وقد تكون هناك ملابسات خاصة تجعله يتأخر في إنجازها.. ولكن مهما كانت الأسباب فلا يمكن قبول تأخير حقوق الناس لمدة طويلة فهذا ظلم واضح يجب الابتعاد عنه. أقول: إن ما فعلته جامعة الإمام يعد خطوة ممتازة على الطريق الصحيح، فما الذي يمنع بقية الجامعات من اتخاذ خطوات مماثلة؟ أعرف أن البعض قد يتعلل بالإمكانات أو الأماكن التي لاتتسع للطلاب أو العجز في الأساتذة.. لكنني أعرف أيضا أن كل هذه العلل يمكن القضاء عليها أو التخفيف منها كثيرا.. طبعا هذا لمن أراد أن يعمل بجد وإخلاص. أحزن كثيرا عندما أسمع أن طالبا أو طالبة ممن حصلوا على نسبة 99 في المائة في الثانوية ولم يجد مكانا في الجامعة! وأحزن عندما أقرأ أن طالبا حصل على تلك النسبة وعمل مغسلا للسيارات؛ لأنه لم يستطع الدخول في الكلية التي يريد! الدولة اعتمدت مبالغ طائلة للصرف على التعليم فلماذا لا تكون النتائج مساوية لحجم العطاء؟ ومعالي الوزير نشط وجاد، ومثله معالي نائبه الدكتور علي العطية الذي يتحرك في كل اتجاه، إذن أين المشكلة؟ ومن يدلنا عليها؟ مرة أخرى: الشكر لمدير جامعة الإمام على كل جهوده التي يبذلها في الجامعة، وشكرا لجهوده التي يبذلها لكل الطلاب والطالبات، وأسعد كثيرا عندما أعرف أن كل الجامعات تسير على الخطى نفسها، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي لايبقى فيه طالب أو طالبة خارج أسوار الجامعة. * أكاديمي وكاتب للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 213 مسافة ثم الرسالة