أكدت المملكة أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار أتباع الأديان والثقافات المدخل الحقيقي لإقامة سلام عادل ودائم لتحقيق خير الشعوب، كونها ترسم صورة جديدة للفكر البشري نحو التآلف والتعاون لمواجهة الأزمات والحروب، وتخدم الإنسان بوصفه إنسانا يرفض التمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين أو المذهب، مبرزة أن خادم الحرمين الشريفين قرن الأقوال بالأفعال من خلال إيجاد أرضية مشتركة بين أتباع الديانات لمساعدة العالم على التخلص من حالة التوتر التي يعيشها، والعمل على حل الاختلافات والخلافات بروح الإنسانية بعيدا عن التعصب والتطرف. وأكدت المملكة في كلمة قدمها رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور بندر العيبان أمس في افتتاح أنشطة مؤتمر مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار أتباع الأديان والثقافات في جنيف أمس. وقال العيبان: إن المؤتمر العالمي فرصة لتمتين أسس وأواصر التواصل بين ممثلي مختلف المعتقدات والثقافات، وتشجيع الحوار بينهم، وترسيخ التعاون الدولي بهدف تحقيق الأمن والتعايش السلمي لمجتمعاتنا. وأشار إلى أن خادم الحرمين الشريفين كان قد أوضح في كلمة له أن التركيز عبر التاريخ على نقاط الخلاف بين أتباع الأديان والثقافات قاد إلى التعصب، وبسبب ذلك قامت حروب مدمرة، وسالت فيها دماء كثيرة لم يكن لها مبرر من منطق أو فكر سليم. وأضاف: إن الظلم وغياب العدل يتنافيان مع قيم الإنسان ومثله العليا في السعي لتحقيق الأمن والسلام، وصور انتشار الظلم متعددة في العالم ومن أبرزها ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان واحتلال وغياب لأبسط حقوق الإنسان مما يتعارض مع أبسط القيم الإنسانية، ويدفع بالمنطقة إلى مزيد من العنف والابتعاد عن السلام العادل. حدث تاريخي وبين أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين جاءت بعد تعاظم ظاهرة القلق من العنف والإرهاب والاعتداء على الآخرين لتشكل حدثا من أهم الأحداث التاريخية التي يشهدها العالم المعاصر؛ لأنها تهدف لمساعدة العالم على التخلص من حالة التوتر التي يعيشها، وترسم صورة جديدة للفكر البشري في العالم نحو التآلف والتسامح والتعاون لمواجهة الأزمات المتلاحقة التي يعيشها. واقتبس الدكتور العيبان قاعدة أعلنها خادم الحرمين الشريفين في المؤتمر العالمي للحوار في مدريد بقوله «إننا جميعا نؤمن برب واحد، بعث الرسل لخير البشرية في الدنيا والآخرة واقتضت حكمته سبحانه أن يختلف الناس في أديانهم ولو شاء لجمع البشر على دين واحد، ونحن نجتمع اليوم لنؤكد أن الأديان التي أرادها الله لإسعاد البشر يجب أن تكون وسيلة لسعادتهم». وأوضح أن خادم الحرمين الشريفين قرن الأقوال بالأفعال من خلال إيجاد أرضية مشتركة بين أتباع الديانات لمساعدة العالم على التخلص من حالة التوتر التي يعيشها، والعمل على حل الاختلافات والخلافات بروح الإنسانية بعيدا عن التعصب والتطرف وبمزيد من التعاون لمواجهة الأزمات المتلاحقة وحماية البشرية مما يتهددها من أخطار تمس مصالح شعوبها وبلدانها، والسعي إلى عالم تسوده قيم العدالة والإنسانية. وأشار إلى أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة لم تكن الأولى في عالم مبادراته الإنسانية، فقد قرن الأقوال بالأفعال فقدم مبادرته للسلام في الشرق الأوسط التي تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002م، ومبادرة الطاقة من أجل الفقراء في يونيو (حزيران) 2008م، وبادرت المملكة حكومة وشعبا بتقديم العون والمساعدة للدول الأشد فقرا، ودعم المنظمات المعنية بمكافحة الفقر على المستوى العالمي، ودعم صناديق الأممالمتحدة الائتمانية، وصندوق الأممالمتحدة للطفولة، وإسقاط الديون الرسمية عن الدول النامية، ودعم هيئات الإغاثة الدولية في مواجهة الكوارث. وما تلك المبادرات من خادم الحرمين الشريفين وحكومته إلا إثراء لمبدأ المسؤولية المشتركة تجاه حاضر ومستقبل الإنسان، ورسالة من المملكة إلى العالم مفادها أن الحوار الإنساني بين الأديان، والترابط بين الحضارات، والتسامح والتعايش السلمي بين الأفراد والشعوب، والتحرر من الفقر والجوع والمرض والجهل والفساد يعد من أولويات حقوق الإنسان، هذا هو الهدف النبيل الذي سعى ويسعى إليه خادم الحرمين الشريفين من خلال هذه المبادرات، وهو دليل على نهج المملكة الإنساني الذي تأسست عليه إيمانا منها بأن العمل الإنساني ملتقى الحضارات، وجامعها، والمقرب بين الشعوب، وبريد السلام واستقرار العالم، وصمام أمان للمجتمعات. وركز العيبان على أن مبادرات الملك عبد الله تسعى لإنهاء النزاعات والحروب والصراعات وبؤر التوتر التي تهدد السلام الإقليمي والعالمي، ومواجهة الأزمات الحادة التي تهدد أسس التنمية والاقتصاد العالمي. ورأى أنها المدخل الحقيقي لإزالة الظلم وإقامة سلام عادل ودائم ولتحقيق خير الشعوب على الصعيد الإقليمي والدولي. وأضاف: إن هذا هو المنهج الذي تنطلق منه مبادرات خادم الحرمين الشريفين الإنسانية التي تخدم الإنسان بوصفه إنسانا يرفض التمييز بين البشر على أساس العرق أو اللون أو الدين أو المذهب، ويرفض العنف والتطرف والإرهاب لأي سبب أو تحت أي شعار كان، ويواجه الذين يرفعون لغة الكراهية، ويخشون الحوار، ويسعون للهدم وذلك بإقامة التعايش محل النزاع، والمحبة محل الأحقاد، والتعاون محل التصادم لأجل إسعاد البشرية وتحقيق السلم ولأمن وإعمار الأرض. جسور التواصل وعد افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية أخيرا شاهدا جديدا على المنهج الذي تنطلق منه مبادرات خادم الحرمين الشريفين، وتجسيدا لرؤيته الثاقبة لمستقبل معرفي حضاري عالمي، وتطبيقا عمليا لما يؤمن به ويدعو إليه، وهدية منه للعالم، لتكمل هذه الجامعة عقد زميلاتها في أنحاء العالم، ولتحتضن الجميع كدار للحكمة، ومنارة للعلم والتسامح، وجسر من جسور التواصل بين الحضارات والشعوب. وأكد على عدة نقاط رئيسية هي أن الحوار يهدف إلى إشاعة السلام ومكافحة ثقافة الكراهية والعنف والإقصاء، وأن شرط الحوار الصحيح هو احترام الآخر وحفظ مصالحه وخصوصياته، وأن مسؤولية إعمار الأرض وإحلال السلام فيها مسؤولية مشتركة بين بني البشر. كما أكد أهمية العدل في التعامل مع القضايا المختلفة وعدم ازدواجية المعايير، وأن الديانات السماوية والقيم الأخلاقية النبيلة هي الأساس لتطور الحضارات الإنسانية وقيامها من خلال منجزاتها التراكمية، وأن الحوار بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة أصبح ضرورة حتمية وليس ترفا فكريا. ولاحظ أن الحوار ومحبة الخير للناس يمهدان الطريق لعصر جديد من العلاقات يحل فيها الحوار بدلا من الصراعات والنزاعات والحروب. وأبرز أهمية استخدام وسائل الإعلام في صياغة برامج عملية تترجم الأهداف والتوصيات إلى برامج قابلة للتنفيذ وللقياس. أرضية مناسبة وخاطب المشاركين في المؤتمر مركزا على مسؤوليتهم الكبيرة في تحقيق كل ما من شأنه وضع أرضية مناسبة تساعد على إيجاد مناخ ينبذ الكراهية والتمييز والعنف، ويدعو للسلم والعدل والتسامح والتآخي بين الناس. وأعرب الدكتور بندر العيبان عن الأمل في أن يعمل المشاركون في المؤتمر من رجال الدين والعلماء والأكاديميين والخبراء على سبر أغوار هذه المبادرة، ويظهروا آثارها في إشاعة القيم النبيلة، ودورها في إرساء قواعد الحوار وترسيخه بين المجتمعات، وتعزيز التعاون على القواسم المشتركة بين الشعوب والثقافات لكي نفتح صفحة جديدة في تاريخ الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، ضمن حوار ديني ثقافي حضاري مشترك. التركي: تحويل المبادرة إلى مشروع إنساني تتطلع رابطة العالم الإسلامي إلى تحويل مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار إلى مشروع إنساني من خلال سلسلة من المؤتمرات والندوات والبرامج المختلفة. وأوضح الأمين العام للرابطة الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، أن الرابطة أعطت الحوار أولوية في برامجها وأعمالها استجابة للدعوة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين إلى أتباع الأديان والحضارات والثقافات لمد جسور الحوار فيما بينهم، في مجال المشترك الإنساني العام، والتعاون في بحث سبل معالجة المشكلات التي تعاني منها شعوب العالم، ومواجهة التحديات التي تؤرقها وتهدد أمنها في مختلف المجالات. ولفت إلى أن من أبرز ما جاء في المبادرة دعوة المجتمعات إلى الاهتمام بالقيم الإنسانية التي دعت إليها الرسالات الإلهية من العدل والتعاون والأمن والاستقرار وأداء الحقوق والواجبات، بدءا بحق الله على عباده، والحفاظ على الأسرة، ومواجهة الصراع بين البشر، وتحكيم الأهواء والمصالح، والانهماك في الملذات والأهواء بدون ضوابط مشروعة، مؤكدا أن المملكة منذ أن تأسست وهي ترعى هذه القيم، وتحرص على تطبيقها. وأشار إلى أن لجنة متابعة قرارات وتوصيات مؤتمر مدريد عقدت اجتماعا لها في النمسا، وأوصى المجتمعون بتجديد الالتزام بالمبادرة بما تضمنته من دعوة مخلصة لاحترام كرامة الإنسان، والحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات. بيرست: تصحيح الأخطاء بالحوار المفتوح حيا رئيس الاتحاد السويسري الدكتور هانس رودلف ميرز حكومة المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتنظيم هذا المؤتمر العالمي، معبرا عن ثقته في أن جميع الجهود الرامية إلى التعاون والتعايش بالغة الأهمية، إذ من خلال الحوار المفتوح القائم على الاحترام يمكن تصحيح الأخطاء وسوء الفهم. واعتبر أن التعايش السلمي والحوار بين الأديان والثقافات حجر الزاوية في النشاط السويسري، حيث إن سويسرا عبر تاريخها قد تعلمت أن لا تعالج المشكلات علانية بل أن تجد حلولا حكيمة من خلال الحوار. وقال في كلمة ألقتها نيابة عنه المستشارة في الوفد السويسري لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف موريل بيرست: «نحن نرمي لتحقيق التفاهم بين المسلمين والمسيحيين واليهود الذين يعيشون في سويسرا الملتزمة بالحوار بين أتباع الأديان، فوزارة الخارجية تؤيد نشاط تحالف الحضارات وهي عضو في مجموعة أصدقاء التحالف». وأشاد بما يحمله تاريخ الشرق الأوسط من تراث غني وأمثلة جميلة على التعايش السلمي بين أتباع الأديان والإثنيات، داعيا إلى الاستفادة من ذلك التراث في التعايش بين أتباع الأديان حيث كان اليهود والمسيحيون والمسلمون منذ زمن بعيد يعيشون معا في العديد من البلدان العربية. ورأى أن حرية التعبير ضرورية في الحوار، مشددا على أهمية مشاركة المرأة لدى مناقشة القضايا الثقافية كذلك الدينية نظرا لأنها جزء من المجتمع. مجلس الكنائس: ما يجمع أكثر مما يفرق أبرز الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي الدكتور صاموئيل كوبيا أهمية مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار وسعيه لنشر قيم التسامح والتعاون بعيدا عن الاختلاف والتنازع. وجدد كوبيا باسم المشاركين في المؤتمر، ترحيبه بمبادرة خادم الحرمين الشريفين ودعوته للحوار البناء بين أتباع جميع الأديان والحضارات والسعي لإشاعة العدالة والسلام والتفاهم، مؤكدا أن الاختلافات ينبغي أن لا تؤدي للمواجهة لأن ما يجمع ويوحد أكثر مما يفرق. وأشار كوبيا إلى إدراك مجلس الكنائس لأهمية الحوار بين الكنائس كذلك مع أتباع الأديان الأخرى والثقافات، وتبادل وجهات النظر. ولفت الى إن الحوار يستند على التفاهم المشترك حيث إن كل مشارك يعترف بإخلاص الآخر واحترام ما لديه من رؤى وأفكار وثقافة. وشدد على ضرورة الاعتراف بالفروقات والاختلافات التي هي ليست حتما تؤدي لصراع حضاري. وأضاف: عندما ندخل الحوار بصدق يصبح الاختلاف مصدرا للإثمار، فجميع الأديان تعنى بالحياة الإنسانية الكريمة وهو يفرض واجبا معاملة الآخر كما يجب أن يعاملونا، فالحوار طريق لعلاقات أفضل بين بعضنا البعض، إننا نجدد الدعوة لكرامة الإنسان وحفظ البيئة وتجنب الحروب ولا سيما الصراعات. مفوضة حقوق الإنسان: فرصة لتعزيز القيم دعت المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافانثيم بيلاي إلى تعزيز القيم الإنسانية عالميا. ورحبت بمبادرة خادم الحرمين الشريفين التي انطلقت من المملكة، وقالت في كلمتها في مؤتمر جنيف أمس: إن هذه المبادرة تتيح لنا الفرصة للحوار بهدف التثقيف وتأمين المزيد من التفاهم بين الأديان، فالقيم الإنسانية واحترام حقوق الإنسان والحياة بكرامة تشكل الأساس في جميع الأديان، وهذه القيم الأساسية موجودة في جميع الكتب السماوية المقدسة لجميع الأديان. ورأت أن المبادئ الأساسية مشتركة بين جميع البشر، حاثة المشاركين في المؤتمر على تناول مسألة معالجة موضوع التمييز بين الناس على أساس الدين أو الإثني أو الرأي وغيرها من أسباب التمييز نظرا لأنها من أسباب النزاعات والتوتر. ولفتت إلى أنه رغم القيم المشتركة بين الشعوب فإنه مازال هناك الكثير من الشك والجهل وسوء الفهم وعدم التسامح بين الناس مما يخالف القيم الإنسانية المشتركة ويولد انقسامات مصطنعة، معربة عن أملها أن يسهم هذا المؤتمر في معالجة جوانب من ذلك. وتمنت التوفيق والنجاح للمؤتمر الذي وصفته بأنه مبادرة خيرة نابعة من إنسانية عالية وإسهام في تعزيز التعايش المنسجم بما يفتح المجال لمشاركة المجتمع المدني ويعزز التعاون والصداقة بين الأمم.