يحفل التاريخ بخطابات تظل راسخة في الأذهان ألقاها زعماء دوليون في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث القضايا الحساسة. وتراوحت ما بين المثير والاستفزازي إلى ما يصنف في سقط المتاع. وقد أوردت نشرة «فورين بوليسي» الأمريكية ما اعتبرته بعض أهم الأفكار لا تخطئها الذاكرة خرجت من الخطابات التي ألقيت في هذا المقر الدولي خلال الأعوام الستين الفائتة. وجاءت نتيجة ما توصلت إليه النشرة الأمريكية المتخصصة في الشؤون الدولية، كما يلي: * العام 1957: «يعتبر مجلس الأمن هذه القضية على أنها نزاع. لكنها ليست نزاعا على الأرض. وهناك أمامكم مشكلة واحدة.. وتلك المشكلة هي مشكلة الاعتداء». جاءت هذه الكلمات على لسان المندوب الهندي كريشنا مينون الذي سجل أطول مدة في تاريخ الخطابة أمام مجلس الأمن الدولي. إذ استغرقت كلمته في مجموعها أكثر من ثماني ساعات. ذلك أن مينون انهار بسبب الإرهاق أثناء إلقاء كلمته، ونقل إلى المستشفى. لكنه عاد فيما بعد وواصل الخطابة لساعة أخرى فيما كان طبيب يقيس درجات ضغط الدم لديه. * العام 1960: «لو كان كيندي لا يملك الملايين ولا يقرأ ويتسم بالجهل، فإنه كان سيدرك دون ريب أنه لا يمكن القيام بثورة ضد الفلاحين». استمرت كلمة الرئيس الكوبي فيدل كاسترو لأربع ساعات ونصف الساعة، فجاءت أقل مما استغرقته كلمة المندوب الهندي، لكنها مع ذلك أطول خطاب له أمام الجمعية العامة. ويذكر أن أول زيارة له إلى الولاياتالمتحدة العام 1959 كانت أكثر مودة، لكنه في العام التالي رسخ قدميه في المعسكر السوفييتي، واستخدم خطابه للنعي على الامبريالية الأمريكية وللتقليل من شأن جون كينيدي وريتشارد نيكسون، الذي كان مرشحا للرئاسة آنذاك. وخلف كاسترو ذكريات تتسم بالتصرفات غير الملائمة عندما أدخل دجاجا حيا إلى غرفة فندقه في تلك السنة. * العام 1960: «سيدي الرئيس، أرجوك أن تطلب من ذلك المتملق للامبريالية الأمريكية أن يلتزم بالنظام». قالها رئيس الوزراء السوفييتي الراحل نيكيتا خروشوف، الذي سجل أحد أكثر الأحداث تفردا في محاولته إسكات المندوب الفلبيني الذي كان يهاجم الامبريالية السوفييتية، حيث صدرت عنه تلك المقولة، ونزع حذاءيه وبدأ بالضرب على الطاولة. وذهبت تلك الحادثة مثالا على الشعارات الحامية الوطيس، وإن لم تكن غير متوقعة من الرجل الذي استحدث مقولة «سنقوم بدفنكم». * العام 1960: «في الحقيقة لدي اليوم مثال صارخ على التجسس السوفييتي يمكنكم أن تشاهدوه بأنفسكم». استخدم كولين باول قنينة «انتراكس» السام وهو يحاول عبثا كسب تأييد مجلس الأمن للإجراء العسكري في العراق، وإن أمكن في أوقات أخرى استخدام المادة بطريقة أفضل. فخلال مناقشة حول إسقاط طائرة التجسس الأمريكية (يو-2) فوق الأراضي السوفييتية، قرر المندوب الأمريكي هنري كابوت لودج أن يلجأ إلى الهجوم بدلا من الدفاع. أمسك فقمة خشبية كانت جمعية الصداقة السوفييتية الأمريكية قدمتها إلى السفارة الأمريكية في موسكو وبدأ في عملية استخراج ميكروفون دقيق الصنع من أنف الفقمة. ويومها رفض المجلس الدعوى السوفييتية ضد التجسس الأمريكي. * العام 1974: «النظام العالمي العتيق يتهاوي امام اعيننا مثلما تتهاوى الامبريالية والاستعمار والعنصرية التي تمثلها بأفضل صورها الصهيونية التي لا بد زائلة». قالها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل عندما دعي لالقاء كلمة أمام الجمعية العامة لأول مرة بناء على طلب من حركة عدم الانحياز. وقد وقف الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات على المنصة وهاجم الصهيونية هجوما عنيفا. وبعد مرور عام على ذلك التاريخ وافقت الأممالمتحدة على قرار «الصهيونية صنو للعنصرية» الشهير. ومنذ ذلك الوقت ظلت العلاقات الإسرائيلية مع المنظمة الدولية مشوشة في أفضل حالاتها. * العام 1987: «تذكر يا فخامة الرئيس ريجان قبل أن تستشير كبار المسؤولين الذين يمثلون الخيارات العسكرية مثل الغزو العسكري، أن رامبو غير موجود إلا في الأفلام السينمائية». استخدم الرئيس النيكاراغوي دانييل اورتيغا منصة الأممالمتحدة لمهاجمة السياسة الأمريكية في أمريكا الوسطى، وبخاصة في تمويل ثوار كونترا ودعم دكتاتورية سوموزا التي قال اورتيغا عنها انها «تمتص دماء شعب نيكاراغوا حتى النهاية«. وتسبب الخطاب الغاضب في انسحاب الوفد الأمريكي. وقال المندوب الأمريكي فيمون والترز أثناء انسحابه من القاعة ان «بإمكان شعب نيكاراغوا إن شاء أن يستمع إليه، ولكني لا أرغب في ذلك». * العام 2006: «لقد حضر ( ....) إلى هنا بالأمس، ولا تزال رائحة الكبريت عالقة في المكان». كان الرئيس الفينزويلي هوغو شافيز يحب دوما الأضواء التي توفرها له الجمعية العامة، ولم تكن أكثر إبهارا من مقارنته الرئيس الأمريكي جورج دبلو بوش بأوصاف عديدة. وكان من عادته أن يستشهد خلال خطبه بمؤلفات الكتاب اليساريين، ويومها رفع كتابا للبروفيسور الأمريكي نعوم شومسكي. وأشار شافيز إلى تلك اللحظة التاريخية في خطابه هذا العام بالقول، إن «رائحة الكبريت ليست عالقة في المكان الآن» بعد أن تولى باراك أوباما الرئاسة. * العام 2006: «الصورة التي تحاول منظمات المتطوعين رسمها لاستجداء المزيد من المعونات والمساعدات المعنوية، أدت إلى نتائج عكسية». في خطابه العام 2006 قال الرئيس السوداني عمر البشير: إن الحرب الدائرة في دارفور، التي كان الرئيس الأمريكي جورج بوش وصفها ب «المذبحة»، كانت من صنع منظمات المعونة الغربية بقصد الحصول على التمويل. وفي لقاء جانبي وجه البشير اللوم لإسرائيل والمنظمات الصهيونية لنشر الأكاذيب بغرض إضعاف الحكومة السودانية.